رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: عجائب في رحلة العائلة المقدسة لمصر

ليديا يؤانس
ليديا يؤانس

لست هُنا للحديث عن رحلة العائلة المُقدسة لمصر؛ ولكن بالأحرى سرد بعض الطرائف والأحداث التي واكبت رحلة العائلة المُقدسة، وأيضًا الحديث عن العجائب والمُعجزات التي حدثت على يد يسوع المسيح، وهو ما زال طفلًا صغيرًا.


عندما علم هيرودس الملك، بميلاد (الطفل يسوع المسيح) ملك اليهود، اضطرب وجميع أورشليم معه، خاف على مُلكُه من الطفل المولود واستشاط غضبًا، وفكر كيف يحمي نفسه ومملكته من المولود ملك اليهود.

هيرودس أمر بذبح كل الصبيان، من سن سنتين فما دون، لكي يضمن قتل المولود، ولكن يد الله كانت تعمل في الخفاء لحماية الطفل من بطش هيرودس.

أرسل الله ملاكه ليوسف النجار في حلم قائلًا: "قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليُهلكه. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى مصر" (متى 2: 13-14).

تعالوا معي لنتطرق لبعض الطرائف التي حدثت للعائلة المُقدسة في مصر، وأيضًا بعض المُعجزات التي حدثت بسبب العائلة المُقدسة، وذلك على حسب ما سجلته المصادر التاريخية وأقوال الآباء المعاصرين لرحلة العائلة المقدسة:

(01)
القديس يوسف النجار جهز الركوبة (الحمار)، وقُلة الماء ربطها في عنق الحمار، ووضع بعض الزاد في قطعة قماش مثل الشال أو الملاءة وربطها وعلقها في ذراعه، سألته العذراء عما يفعل، أخبرها بالحلم الذي رآه، وأن الله يُريدهُم أن يهربوا إلى مصر، أخذت الطفل في حُضنها وركبت الركوبة، وبدءوا في الخروج من فلسطين إلى مصر.

(02)
تقول المصادر السياحية والتاريخية، إنه توجد ثلاث طُرقْ على الأقل يُمكن للمسافر من فلسطين إلى مصر أن يسلُكها، ولكن هناك اعتقاد بأن العائلة المقدسة ربما سلكت طريقًا آخر غير هذه الطرق الثلاث، حتى لا يتتبعهُم هيرودس وجنوده، والشيء الذي يدعو إلى التساؤل؛ كيف عرف يوسف الطرق في الصحاري والوديان، وهو ليس برحالة، ولا سبق له الخروج من فلسطين، وليس معه بوصلة ولا خريطة ولا (جي. بي. أس)، أكيد الروح أو ملاك كان يرشده في الطريق.

(03)
عندما دخلت العائلة المقدسة أرض مصر عن طريق صحراء سيناء من جهة الفرما، أتوا أولًا إلى مدينة "بسطة" بالقرب من الزقازيق، فكان أن سقطت أصنام المدينة أمام جلال الطفل الإلهي، ولذا لم تقبلهُم المدينة وأهلها ورفضوا إقامة العائلة المُقدسة في وسطهم، فنزحوا إلى إحدى ضواحي المدينة بإرشاد رجل طيب من أهل بسطة، وهناك وجدوا شجرة، مكثوا عندها أيامًا، وأنبع الطفل الإلهي نبع ماء، فأحمته العذراء وغسلت ملابسه وسمي هذا المكان "المحمة" أي مكان الاستحمام، وتسمى الآن مُسطرد.

(04)
في أثناء رحلتهم جاءوا إلى منطقة تُعرف باسم "جبل الطير" بالقرب من سمالوط، وأثناء مرورهم في مركب بالنيل كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم بفعل امرأة ساحرة فارتعبت العذراء، فمد الطفل يسوع يده، ليمنع الصخرة من الوقوع عليهم، فانطبعت كفه على الصخرة، وصار الجبل يُعرف باسم "جبل الكف"، والكنيسة التي بنتها فيما بعد القديسة هيلانة باسم العذراء أصبحت تُعرف فيما بعد باسم "كنيسة سيدة الكف".

(05)
سافروا من جبل الطير بالنيل إلى "الأشمونين" بمركز ملوي، وأقاموا عدة أيام عند رجل طيب أحسن وفادتهم، وفي هذه المدينة أجرى الطفل الإلهي آيات كثيرة منها:

أن حصانًا من النحاس كان في مدخل المدينة لحراستها تحطم عند مرور يسوع وعائلته أمام الحصان.

وكذلك سقطت أوثان المدينة وتهشمت مما تسبب في غضب كهنة الأصنام.

يقول المؤرخ سوزومينوس في كتابه تاريخ الكنيسة: "يقال إنه كان في الأشمونيين – وهي مدينة في صعيد مصر شجرة تسمى بيرسيا".

كانت هذه شجرة لبخ عالية، وكان يتعبد لها الوثنيون؛ لأنه كان يسكنها شيطان، وعندما اجتاز الطفل الإلهي أمامها انحنت الشجرة إلى الأرض وكأنها تسجد لخالقها، والشيطان الذي كان يسكن الشجرة قد اضطرب وهرب عند اقتراب يسوع منها، فكان لذلك مغزى عند الوثنيين الذين يتعبدون لهذه الشجرة، بعد ذلك استقامت الشجرة وأصبح لها قوة عظيمة، فاستخدموا أوراقها وأثمارها وقشرتها في شفاء الأمراض.

(06)
في مدينة "سخا" مركز كفر الشيخ، أوقفت العذراء ابنها الحبيب، على قاعدة عمود، فغاصت مشطا قدميه في الحجر وانطبعت قدميه، ثم تفجر نبع ماء وسمي هذا المكان "كعب يسوع"، وأصبح الناس يأتون من كل مكان ويضعون في مكان القدم زيتا ويحملونه إلى بلادهم وينتفعون ببركة هذا الزيت في الشفاء وأغراض أخرى.

(07)
أثناء مرور العائلة المقدسة بمدينة "بلبيس"، استظلوا تحت شجرة، صارت تُعرف فيما بعد بشجرة العذراء مريم، يجلها المسيحيون والمسلمون، ويروون أن جنود نابليون ضربوا بالفأس فرع من الشجرة ليطبخوا طعامهم، ولكن الشجرة بدأت تدمي فارتعب الجنود وخافوا أن يمسوها.

(08)
أثناء مرورهم على "جبل النطرون" في جنوب برية شيهيت أو الأسقيط،، بارك الطفل الإلهي وأمه العذراء مريم هذا المكان، فصار فيما بعد عامرًا بالأديرة والرهبان، وقيل أن الصبي الإلهي قال مُخاطبًا أمه "اعلمى يا أمي أنه سيعيش في هذه الصحراء كثير من الرهبان والنساك والمجاهدين الروحانيين، وسيخدمون الله مثل الملائكة".

(09)
مرت العائلة المقدسة على منطقة "المطرية"، جلسوا يستظلون تحت شجرة، وكانوا في احتياج للماء، بدأ الطفل يلعب بقدميه في الأرض، فنبع عين ماء، شربوا منه، ثم غسلت العذراء ملابس الطفل، ثم صبت ماء الغسيل على الأرض، فأنبتت في تلك البقعة نباتًا عطريًا ذو رائحة جميلة، ويُعرف هذا النبات باسم البلسم أو البلسان، وللآن هذه الشجرة موجودة بالمطرية وتعرف باسم شجرة مريم.

ويروي المؤرخون شيئًا طريفًا عن هذه الشجرة فيقولون: إن الجنود الفرنسيين بقيادة كليبر، الذي تولى حكم مصر بعد نابليون، وبعد أن انتصروا على الجيوش التركية في معركة عين شمس، عرجوا في طريقهُم على شجرة مريم وكتبوا على فروعها اسماءهم مستخدمين في ذلك أسنة حرابهم وسيوفهم وقد نال بعضهم الشفاء لعيونهم وأمراضهم المختلفة بعد أن اغتسلوا من ماء البئر وسجلوا شكرهم لله على ما نالهم من خير ببركة شجرة مريم وماء البئر.

(10)
"جبل قسقام" حيث يوجد الآن الدير المحرق، كان آخر محطة وصلت إليها العائلة المُقدسة، في هذا الموقع بنى القديس يوسف النجار بيتًا صغيرًا من الطوب، وغطى السقف بأغصان النخيل، وكانوا يصعدون للغرفة العُليا بدرج سِلم، ويبدو أن يوسف لم يتيقن من أنه يجب أن يكون بالغرفة شباك، ولكن بنفخة الطفل الإلهي انفتحت طاقة بالغرفة.

في هذه المنطقة هرع الناس لأخذ بركة من الطفل الإلهي فكانوا ينالون الشفاء من أسقامهم وأوجاعهم.

وكان يقع في المقابل بئر ماء حار، وقد باركه الطفل الإلهي حينما شرب منه هو وأمه ويوسف النجار، وصار ماء البئر حلوًا كماء نهر النيل، وأصبح كل من يشرب من هذا البئر أو يستحم به يشفي من جميع أوجاعه.

ويذكر الشيخ أبو صالح الأرمني أنه كان هناك حوض ملأوه ماء فتحول إلى خمر.

وفي غرب المغارة التي أصبحت كنيسة فيما بعد، قبة منقورة في الصخر بالجبل الغربي، فكانت العذراء مريم تأوي إليها أحيانًا، وأصبحت هذه الكنيسة فيما بعد مزارًا للمسيحيين وغير المسيحيين.

(11)
أختم هذه الطرائف والعجائب بهذه القصة القصيرة، حيث يذكُر بعض المؤرخين، أن رجلًا اسمه يوسي وهو من سبط يهوذا ومن أقارب العذراء مريم ويوسف النجار، جاء من بلاد الشام وتتبع مسيرة العائلة المقدسة إلى أو وصل إليهم في جبل قسقام، وأخبرهم بما فعله هيروس الملك بأطفال بيت لحم، وأنه ما زال يبحث عن الطفل يسوع وأمه ويوسف ويتوعد بأنه يريد أن يقتلهم بيديه، ولما سمعت العذراء انزعجت واحتضنت طفلها وصعدت به إلى الغرفة العليا، وأخذت تتطلع من الشباك تحسبا من أن يكون جنود هيرودس يتتبعونهم.

نظر الطفل الإلهي وطمأنها قائلًا: "لا تخافي يا أمي ولا تبكي، فإن بكاءك يحزنني. إن الوقت لم يحن بعد ليسلم ابن البشر، سوف لا يعرف الجند مكاننا".

ثم وجه الكلام إلى يوسي قائلا: يا يوسي لقد تعبت من أجلنا كثيرًا، وتحملت مشقة السفر أميالًا عدة. إن أجرك كبير". 

وصمت هنيهة، ثم قال ليوسي: والآن استرح أنت، وهنا يُمكنك أن ترقد.

فأطاع يوسي، وأخذ حجرًا ووضعه تحت رأسه وأغمض عينيه وما هي إلا فترة قصيرة حتى أسلم الروح.

دفنوا الجثة بالقرب من البيت ووضعوا على القبر حجرًا مربعًا مكتوب عليه اسم يوسي باللغة العبرانية.

ويبدو أن قصة يوسي كانت آخر حدث للعائلة المقدسة في جبل قسقام، ولقد قضت العائلة المقدسة في جبل قسقام وحده ستة أشهر وعشرة أيام، ثم ظهر ملاك الرب ليوسف النجار يأمره بالعودة لفلسطين حيث أن هيرودس قد مات.

(12)
قبل أن يغادروا البيت طلبت العذراء من ابنها أن يُعطى بركة خاصة للمكان الذي أواهم في غربتهم، فأجاب يسوع طلبتها، وأعلمها بأن هذا المكان مُقدس، وستُقام فيه كنيسة، وسيكون هذا البيت هيكلًا مُكرسًا لله، وسوف تُقدم فيه الذبائح والنذور للرب، وأن المكان سيُصبح بيتًا يضم رهبانًا قديسين، وكل من يأتي لهذا المكان بغرض البركة والشفاء وعمل المعجزات سينال ما يتمناه.

(13)

اختلف المؤرخون في تقدير المدة التي قضتها العائلة المقدسة بمصر، فالبعض قدرها بسنة، والبعض بسنتين، والبعض بثلاث سنوات، وآخرون بأربع سنوات.

ولكن بعض المصادر الكنسية تنص على أن إقامة العائلة المقدسة في مصر، استغرقت أكثر من ثلاث سنوات ونصف، أو ثلاث سنوات وسبعة أشهر.

في النهاية أرجو أن تكونوا قد استمتعتم معنا، وأخذتم بركة زيارة هذه الأماكن والمدن المصرية، والتي مازالت اسماءها باقية حتى الآن مُنذ هذه الزيارة المُقدسة، وأود أن تكونوا قد تعرفتم على هذه الأماكن والمدن المصرية، واستمتعتم بهذه الطرائف والعجائب التي حدثت أثناء هذه الرحلة المُقدسة.

وإلى حضراتكم المرجع:

المرجع: موسوعة الأنبا غريغوريوس – الجزء (20).

العذراء مريم – حياتها، رموزها، ألقابها، فضائلها، تكريمها، ظهورها ومعجزاتها.
الجريدة الرسمية