رئيس التحرير
عصام كامل

"أفق آخر" عامٌ أطول من أيامه


تمر أعوام يتعانق في منتصف ليلتها الأخيرة عقربا الساعة، مقابل أعوام يتعانق فيها عقربان يحاول كل منهما أن يلدغ الآخر، لهذا فالأعوام ليست كلها سواسية كأسنان المشط، منها ما نكسر وراءه جرّة فخّار، ومنها ما نودّعه بأعين دامعة كعيون الخيل، وبنشيج خافت كنشيج طائر البطريق الذي ودع أنثاه إلى الأبد.

عامنا الثالث عشر بعد الألفين لن يبدأ من منتصف الليلة الأخيرة للعام الذي سبقه بل هو بدأ قبل أن يبدأ، تماماً كما هو حال القرن العشرين الذي يقول مؤرخوه إنه بدأ بعد موعده بأربعة عشر عامًا، أي في الحرب العالمية الأولى، وانتهى قبل موعده بعشرة أعوام أي بعد سقوط سور برلين.
والثالث عشر كرقم، ثمة من يتشاءمون منه مقابل من يتفاءلون به، تمامًا كما هو الحال مع طائر البوم الذي يعني لدى بعض الشعوب غسقًا وغروبًا، ويعني لسواها سَحرًا وشروقًا.
وهناك مصادفات طريفة عن هذا الرقم الإشكالي، منها أن الراحل عباس العقاد ولد في الثالث عشر من شهر ما، ومات في الثالث عشر من شهر آخر، وكان رقم القاطرة التي نقلت جثمانه من القاهرة إلى مسقط رأسه في أسوان تحمل الرقم ثلاثة عشر.
وَدَّعنا في العام الذي يجر ذيلاً مبلولاً بالدم آلاف الرجال والنساء والأطفال في فلسطين والعراق وسوريا ومصر وتونس، منهم من قضى في فوضى الدم، ومنهم من دفع حياته لرغيف ابنه، أو علبة دوائه، أو دفاتر مدرسته.
 وشَهِد العام الذي تُسْدَل عليه ستارة حداد سوداء، عنفًا متعدد المصادر لكن الضحايا هي من صميم كياننا ومن صلب قَوْميّتنا ودمنا.
وإذا كانت الصحافة قد استنّت تقليدًا أو عرفًا موسميًا تحصي من خلاله أحداث عامٍ مضى، فإن هناك حاسوبًا أو مرصدًا سريًّا يحصي ما سقط بلا صوت ومن قضى بلا نعي ومن وقع سهوًا، في زمن انعطبت فيه البوصلات أو كادت، وفي غمرة زحام أعاق الحركة لفرط ما وقعت فيه الحوافر على الحوافر.
العام الثالث عشر في ألفية ثالثة، ليس كالشهر الثالث عشر في تقاليد البنوك والمؤسسات التي تضيف شهرًا إلى تقاويمها السنوية، إنه بشكل ما خلاصة عقد ونيف من الزمن، وقد لا يشبهه إلا العام 1979 من القرن الماضي الذي شهد جملة من الأحداث الجسام والفاصلة، ففيه تغيرت إيران، وفيه كانت طبول الحرب تقرع لحرب الثماني سنوات مع جارتها العراق، وفيه طرق الأمريكيون أبواب الصين، وفيه كانت القطفة المرّة الأولى لكامب ديفيد.
 وهناك أعوام هي أعلام في العقود والقرون، لأنها تقترن بأحداث ونقاط انعطاف كبرى، والعرب الذين يستقبلون العام الثالث عشر من ألفية لم يدخلوها بكامل عُدّتهم ومؤهلاتهم، ستشوب رقصتهم موسيقا شجيّة، لأن الآلاف منهم فقدوا أحباء وأعزاء وذوي قربى ورفاق حلم.
فما بدأ قبل عامين هو الآن على المحكّ، بل تحت المطرقة ليصاغ مصير كان قيد عالم الغيب.
لكن هناك من يرزح أيضًا بين المطارق والسنادين، فلا تدري ما هو مصدر الأنين، أهو انتحار أم استغاثة من عدوان؟
وسواء تعانق عقربا الساعة أو تعانق عقربان يُفْرغ كل منهما السُمَّ في توءمهِ اللدود، فإن القادم من بواكير هذا العام يلوح منه القليل في الأفق، بين هديل يبشّر، ونعيق ينذر، لأن اختلاط الأوراق بلغ التقاويم والفضاء أيضًا، وأصبح من العسير الفرز بين غيمة حبلى بالمطر، وأخرى مثقلة بالدخان والغبار، وقد يكون مجرد عام آخر لكن أحداثًا فاصلة اندلعت منذ عامين عَقَدت موعدها فيه.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية