أحمد حسن الباقوري يكتب: محاكمة الموتى
تحت عنوان «رجال الفكر يناقشون محاكمة الموتى» نشرت مجلة الجيل عام 1952 طلبا للكاتب حلمى سلام بمحاكمة كل من خان الشعب متذكرا قول القائد البريطانى تيتوس:
إن القصاص من الخونة لا يصح أن يقف عند قبورهم.. بل يجب أن يلاحقهم إلى أعماق البحور. فكتب الشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف ــــــــــــــ وقتئذ ــــ يقول:
«إن من أول واجبات الثورة أن تعمل على تصحيح تاريخنا، مدفوعة إلى ذلك بهذين المعنيين : المعنى الإنساني الذي يكره إهدار التاريخ، والمعنى الوطنى الذي تستمده من وفائها لوطنها وايثارها لكرامته، وذلك سوف يستدعى التعرض للموتى والتهجم عليهم ولئن كان هذا التعرض للذين ماتوا أمرا تكرهه الفطرة لأنهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم فلا بأس أن نغالب أنفسنا في الأعضاء عن وجوب احترام الموتى في هذا الموطن بالذات، لأننا بذلك سنهيئ الطريق لاحترام الحق وإنصاف التاريخ.
ولقد أذكر أن قوما من الناس في من قبلنا احتقروا الخونة، فقد روى المؤرخون أن ملك الحبشة أراد أن يغزو بجيشه بيت المقدس في مكة، وبينما هو في طريقه إلى هدم الكعبة، ضل طريقه، ولكن رجلا من العرب اسمه ( أبو رغال ) تطوع بإرشاد الجيش الغازى إلى طريق الكعبة، وبعد أن مات أبو الرغال انكشف أمره للعرب فقاموا برجم قبره.
ودلالة هذه القصة أن احتقار المواطنين لمن يخونون بلادهم أمر مركوز في فطرة الناس وإنما يختلفون في تصويره، وإذا العرب في الجاهلية تترجمه برجم القبور فإننا نستطيع ترجمته أنفع وأكرم وهى أن نعمل على تصحيح تاريخ بلادنا واستدراك الأخطاء التي اقترفها هؤلاء الخونة وفاء للشعور الوطنى واحتراما للمعنى الإنساني.
وليس هناك ما يمنع من محاكمة الموتى، بل أن من واجب الثورة أن تحاكمهم وأن تسلك في محاكمتهم الطريق السوي الذي تسلكه في محاكمة الأحياء».