المتورطون في الدفاع عن الأرض
محامون سبعة يحاكمون الآن بتهمة التظاهر ضد سعودة جزيرتى تيران وصنافير.. المحامون السبعة من الإسكندرية، وتلقوا دعما معنويا هائلا من نقابتهم، لدرجة أن ثلاثمائة محام أعلنوا انضمامهم لفريق الدفاع عن المتهمين السبعة، ولاتزال كرة الثلج تنمو يوما بعد يوم، وربما تتحول إلى قضية جماهيرية ينضم إليها شخصيات عامة، وشخصيات سياسية وفكرية وأدبية، لأن التهمة في حد ذاتها شرف لأصحابها.
المحامون السبعة لم يتورطوا في قيادة مظاهرة للمطالبة بإسقاط نظام الحكم، ولم يسعوا إلى الانقلاب عليه، ولم يتورطوا في أعمال عنف.. فقط تظاهروا من أجل الأرض، لم يسافروا إلى تيران وصنافير للاعتصام فوقها، كما فعل جنود الاحتلال الصهيونى عندما حصلت مصر بالتحكيم الدولى على طابا.. ناموا على الأرض التي احتلوها ورفضوا الانصياع للأوامر العسكرية بمغادرتها وادعوا زورا وبهتانا أن الأرض أرضهم.
لم يحاكم الجنود الصهاينة على فعلتهم، وأيضا أتصور أنه لا يجب أن يحاكم مصرى على تمسكه بالأرض، والسؤال: لماذا لم تسمح السلطات لمن أرادوا التظاهر لهذا الهدف بالتظاهر ولماذا لم تحم قوات الأمن مظاهراتهم؟ أليس ذلك نموذجا ديمقراطيا يحتذى؟ أليست مصر دولة تعددية ومن حق الناس أن تختلف مع السلطات؟ أليست الأحزاب الشرعية واحدة من أدوات الحكم الديمقراطى التعددي؟ أليست المظاهرات الملتزمة بالأدوات السلمية واحدة من وسائل الاحتجاج المقبولة وفق الدستور والقانون؟
أعتقد أن مساحة من التفكير السياسي تمنح البلاد رئة من الحرية هي أولى من الحصار والمحاكمات الغريبة.. الحرية واحدة من أدوات الحكم القوى، ودليل فاعل على ديناميكية المجتمع السياسي، وديناميكية المجتمع السياسي أحد أهم أدوات الاستقرار، فالكبت يولد الانفجار، والوقائع تؤكد أن ثورة يناير لم تنطلق إلا عندما سيطرت حالة الانسداد السياسي وفقد المجتمع قدرته على ممارسة دوره من أجل التداول السلمى للسلطة.
الحل ليس في منع الناس، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس منتخب وبشعبية جارفة، واطمئنانه لشعبيته يجعله أكثر قدرة على استيعاب المختلفين والاستفادة منهم، فالأحزاب السياسية على الساحة المصرية لم تكن على الطرف الآخر في الانتخابات الرئاسية، وبالتالى فإن الخوف من تحركات سياسية وفق الطرق السلمية من شأنه أن يضيف إلى تجربة السيسي ولن ينال منها.
الحرية المسئولة والممارسة السياسية الملتزمة، والتحرك وفق الدستور والقانون أحد أهم القوى التي يعتمد عليها النظام في التنفيس وإطالة عمر التجربة، وإضفاء روح الحيوية عليها، خاصة أن القضية محل الخلاف تستحق منا أن نختلف عليها، فليس من المنطقى أن تكون المحاكمات والترهيب حلا مثاليا، بعد ثورتين كان الهدف منهما هو خلق نموذج حكم قادر على استيعاب الرأى الآخر، قبل أن يكون الهدف هو العودة إلى الوراء.
أعلم أن بعض دوائر الحكم ترى في تنامى مثل هذه النماذج من المظاهرات والاحتجاجات من شأنه تعطيل مسيرة العمل، والوصول إلى دولة مستقرة، وقد يرى البعض أن المظاهرات والاحتجاجات رفاهية تدخل في باب التعطيل وتداخل قوى الشر على الخط، وهو ما من شأنه أن يعود بنا إلى الوراء، وقد يرى فريق ثالث أن البلاد تمر بظروف غير طبيعية خاصة فيما هو مرتبط بالحرب على الإرهاب، ولا يجب إنهاك الدولة بمثل هذه الاحتجاجات.
ولكنى على يقين أن السير في عكس الاتجاه قد يؤدى إلى ما هو أبعد من ذلك، وخير الأمور الوسط، فالدولة مطالبة بتطبيق الدستور، ولديها من المواد ما يحميها أيضا، فالفارق بين الحرية والفوضى كبير، ولا أتصور أن مصريا واحدا بعيدا عن الجماعة الإرهابية لا يتمنى لوطنه أن يستقر ويتعافى، ويصبح أقوى في مواجهة الشدائد.