رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. القليوبية تتشح بالسواد حزنا على اغتيال الضابط إبراهيم عزازي.. نجل الشهيد: «والدي حبيب الكل ومكنش ليه عداوات».. الجيران: كان متواضعا وطيبا.. شاهد عيان: المتهمون أطلقوا علينا النار

فيتو

بينما كان ملايين المصريين يتابعون بشغف حادث استشهاد وإصابة 26 من أفراد القوات المسلحة بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الكتيبة 103 صاعقة في رفح، كانت يد الغدر تغتال الملازم أول إبراهيم عزازي ضابط الأمن الوطني بمحافظة القليوبية، يومها خرج عزازي من بيته في جلبابه الأبيض المخصص لكل جمعة ومسبحته، في طريقه لأداء صلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزله، ودع أسرته الوداع المؤقت على أمل العودة على الغداء، ولم يكن يعلم أن للوداع الأخير والاشتياق مذاقًا خاصًا يصحو ويظهر في لحظة استقبال الموت دون غيرها.


الشيخ مصلح
صوت الأذان يصدح في أرجاء القرية الصغيرة المسماة بـ"الشيخ مصلح" الواقعة في أطراف مدينة الخانكة بالقليوبية، الجميع يهرول إلى المسجد، الشارع بات هادئًا، وحانت اللحظة المناسبة لهم، فقبل أن يشرع في دخول المسجد، فوجئ الملازم أول بقطاع الأمن الوطني، بسيل من الرصاص يوجه له وحده، خارت عزيمته، سقط جسده الممتلئ، قوي البنيان على الأرض، لتأتي اللحظة الفاصلة التي يطرد فيها شبح الموت كل أمل في البقاء قيد الحياة.

الحزن يسكن المنزل
في أحد شوارع القرية الملاصقة للسكة الحديد، يقع منزل الشهيد إبراهيم العزازي وأضفى الحزن عليه لمسة من الظلام والرهبة، المنزل وسكانه يتشحون بالسواد، وفي الطابق الثاني يلفت انتباهك صوت الآيات القرآنية التي تتلى من الشقة المواجهة لسلم المنزل، لتدخل وتجد أربعة أشخاص بين المراهقة والطفولة وجوههم جامدة التفاصيل، وملامحهم تتشابه لحد كبير، منكسي الرأس تتساقط دموعهم من حين لآخر.

"بابا مكنش مجرد أب وبس لا كان صاحبي وأخويا الكبير، عمره ما ضربنا أو عاملنا بقسوة كنت دايمًا معاه بوصله شغله وبرجعه، حتى موته اتفاجئنا بيه لأنه حبيب الكل ومكنش ليه أي عداوات، هو نفسه متوقعش إنه يموت شهيد بس الحمد لله على كل حال".. بصوت متقطع يشوبه الانكسار يتحدث بهذه العبارات عبد الستار، الابن الأكبر للضابط إبراهيم العزازي، ثم ينظر من حين لآخر إلى إخوته الثلاثة الذين يرفضون الحديث عن أي شيء، لتنظر ابنته الوحيدة لصورته الصغيرة الموضوعة على المنضدة وتدخل في نوبة بكاء لا تتوقف، وكأنها استقبلت نبأ وفاته في الحال.

الجار وابن القرية
منذ أن تصعد السيارة الصغيرة التي تحملك من مركز الخانكة إلى داخل القرية، لا حديث للأهالي إلا عن الحادث، وكأنها المرة الأولى التي يطرق فيها الموت أبوابهم.

"كان متواضعا وطيب ومحسسناش مرة إنه أعلى مننا أو ليه سلطة علينا".. هذه الجملة كررها النسوة والرجال في القرية أثناء سيرهم أمام صوان العزاء القائم في مدخل الشارع الذي يحوي منزله.

وما يثير الدهشة هو مفاجأة البعض بمهنة الضابط إبراهيم العزازي، فيقول أحد الأهالي "أنا كنت بقعد معاه دايمًا عشان كده عارف إنه كان ضابط أمن دولة، لكن فيه ناس كتير هنا في البلد اتفاجأت لأنه كان بيعاملنا بتلقائية، وعمره ما استغل سلطته في أذية حد".

وكأن لا سلطان للموت على سيرة العزازي، فإن كان الجسد قد سكن القبر وطويت صفحته الحياتية، تظل سيرته تنوب عنه، تذكر دائمًا الأجيال المقبلة بأنه ذات يوم كان يحيا بيننا شخص قدم لنا الكثير دون أن ينتظر المقابل.

يروي صابر، أحد سكان القرية وجار الشهيد، تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته حين سمع دوي إطلاق النار يصدر من أمام المسجد، فخرج مسرعًا ليجد جسده ملقى على الأرض والقاتل يجلس بجواره مطلقًا الرصاصة الأخيرة في رأسه، لتكون هي رصاصة "رحمة" لجسد ينتفض يصارع الموت في معركة محسومة نهايتها قبل خوضها.

وقال: "أنا مصدقتش لما لقيت إبراهيم هو اللي على الأرض افتكرتها خناقة، والقاتل منعنا حتى إننا نلحقه، لأننا جينا جنبه راحوا ركبوا الموتوسيكل وضربوا علينا نار بشكل عشوائي علشان نبعد عن الجثة".
الجريدة الرسمية