رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور صلاح هاشم أستاذ التخطيط : صندوق النقد الدولي يصنع ما لا يستطيع الإرهاب فعله

فيتو

>> إلغاء دعم الطاقة تماما مع نهاية 2018
>> الحكومة تعمل على إفقار المواطنين.. أعطت المواطن 100 جنيه وأخذتها 300

>> في عام 2020 مصر ستكون دولة مصدرة للغاز الطبيعي




أدار الحوار : إيمان مأمون
أعده للنشر: محمود محمدى
تصوير : ريمون وجيه

الوضع الاقتصادي بات على المحك، حالة من الاحتقان أصابت المواطنين، فالجميع يعاني والأسعار تتغول والكل يتساءل إلى متى نتحمل كل هذا العناء، الرئيس وعد بستة أشهر ثم عام ورئيس الوزراء خرج مؤخرا ليقول علينا إن ننتظر عامين ونصف العام حتى تستقر الأوضاع، لسان حال المواطنين يقول هل ستنزل الأسعار مرة أخرى أم أن الحكومة وجشع التجار تحالفا على البسطاء الذين أصبحوا بالكاد يكفون قوت يومهم، رفع أسعار المحروقات ورفع الدعم وزيادة أسعار الكهرباء تأتى ضمن تنفيذ الحكومة لبرنامج الاقتصاد الحر، الذي وضع روشتة صندوق النقد الدولى وحول الأزمة الاقتصادية وتوابعها استضافت "فيتو" في صالونها الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التنمية والتخطيط، في حلقة نقاشية حول تداعيات أزمة ارتفاع الأسعار وتأثيرها فى المواطنين، ومدى الاستقرار السياسي في البلاد.. وإلى أهم ما جاء في النقاش:

- موجة جديدة من ارتفاع الأسعار تشهدها مصر مؤخرا عقب موجتين متتاليتين حدثتا مؤخرا.. ما تفسيرك لهذه القرارات وهل هي بالفعل اضطرارية كما تقول الحكومة ؟
القرارات التي تتخذها الدولة بالزيادة في الأسعار اضطرارية وليست ترفيهية، والدولة اتخذت هذه القرارات لأمور متعلقة باتفاقيات مع صندوق النقد الدولي وهذه اتفاقية دولية، منها أن هذه الدول أعطتنا قروضا وتريد أن تضمن قدرة مصر على السداد وارتفاع رتبة مصر ائتمانيًا بالنسبة للعالم كي تكسب ثقة صندوق النقد الدولي وبعده الجهات الأجنبية المقرضة، لأنها توضح أن مصر جادة وقادرة على سداد هذه القروض، من ضمن هذه الإجراءات رفع الدعم تمامًا، وسيتم رفع الدعم كاملًا عن الكهرباء بالنسبة لمن يزيد استهلاكه عن 1000 كيلو وات في الشهر، وإجراءات رفع الدعم الكامل بدأت من 13 قرشا للكيلو وات للشريحة الأولى، إلى 135 قرشا وهو السعر الحقيقي دون دعم، وسيتم رفع الدعم كاملًا عن فئة كبيرة بدءًا من هذا الشهر، وشهدت الأيام الماضية شريحة جديدة وهي شريحة الـ 90 قرشا، وشريحة الـ 175 قرشا، حتى يتم رفع دعم الطاقة تمامًا بحلول نهاية عام 2018 عن الشعب المصري، وبهذا الارتفاع ستتأثر المصانع، وبالتالي سيتم ارتفاع الأسعار في موجتين متتاليتين، بحيث تفوق قدرة المواطن العادي على الاستهلاك.

*وهل الحلول التي تراها الحكومة تكمن في جيوب الفقراء وأين الضرائب التصاعدية وأرباح البورصة على الأغنياء ؟
للأسف بعد زيادة أسعار الطاقة التي تم إعلانها مؤخرًا، من المتوقع وبشكل كبير أن يتم تطبيق زيادة أخرى في الأسعار أواخر عام 2017، ونستطيع القول إن مصر تسير بطريقة تقليدية جدًا في الاقتصاد، حيث إنه كلما تمر الدولة بأزمة اقتصادية تلجأ لـ"جيوب الفقراء" وليس الأغنياء، خوفا من هروب المستثمرين وإذا كان هناك رهان على أن جيوب المواطنين سوف تنقذ الاقتصاد، فجيوب الناس أوشكت على الإفلاس، إن لم تكن أفلست بالفعل، والمنتجون لا يتأثرون كثيرا بالمشكلات الموجودة، حيث يرحلون ما يفرض عليهم من ضرائب ومن غلاء في المواد الخام على قيمة السلعة النهائي، وبالتالي فإن المستهلك الأخير يدفع كل التكاليف و90% من المستهلكين في الغالب من أبناء الطبقات الفقيرة والطبقة المتوسطة إذا كان هناك بالفعل فئة متوسطة.

- هل ترى أن هناك استراتيجية واضحة لتطبيق الحماية الاجتماعية للمواطن.. وفي المقابل هل ترى أن هناك دراسة لمسألة حماية المواطن من الفقر ؟
أسلوب الحكومة يؤدي إلى سقوط شرائح من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الدنيا، وما يحدث هو عملية إفقار للمجتمع، فالفقير مسئول عن فقره، لكن سياسات الحكومة تتسبب في إفقار شرائح كبيرة، وسياسات الحماية الاجتماعية التي تستخدمها الدولة ليست لمواجهة الفقر، وإنما لحماية الفقراء من الوصول إلى الجوع، وهذه المرحلة هي الأخيرة وبالطبع تؤثر فى الاستقرار السياسي في المستقبل.

وسياسات الحماية الاجتماعية التي تتبعها الدولة الهدف منها بقاء الفقير على قيد الحياة، لكن ليس الهدف منها خروج الفقير من براثن الفقر إلى طبقات أخرى، ولا يوجد آليات تضمن أنه بعد 5 سنوات مثلا سيخرج الفقير من شريحة الفقر، ويجب على الدولة أن تتعامل مع الفقراء على أنهم مرضى، وليس على المريض حرج، وعلى الدولة أن تساعد المريض حتى يشفى، ولا يجب أن تساعده حتى يموت، والمقصود هنا هو ألا تساعده حتى موعد وفاته وهو فقير كما هو حاله.

وشبكة الحماية الاجتماعية التي تتبناها الدولة مكلفة وتؤثر فى الاقتصاد إذا لم تتبنَ الدولة مداخل تنموية حقيقية لإنقاذ الفقراء من عالم الفقر، ويصبحوا منتجين حقيقيين داخل المجتمع، وفرصة تنمية قدرة الشعب على الإنتاج من خلال أن الدولة توفر فرصا عديدة للتنمية، وعلى الدولة أن توفر فرص العمل، وأن توسع من نطاق الفرص الموجودة مع الحفظ باستمرار على قدرات الفقراء حتى يستطيعوا مواكبة الفرص الإنتاجية المتاحة، وبذلك يتحول إلى منتج.

- الحكومة متمثلة في رئيس الوزراء تقول إن رفع أسعار البنزين والغاز يصب في مصلحة المواطن هل تتفق مع هذا الرأى؟
الحكومة تتبع على مدى التاريخ سياسات استفزازية، وتجبر المواطن على التحايل مع هذه السياسات لكي يعيش بأي وسيلة، حتى لو وصلت للتسول، ونجد حاليًا ارتفاعا كبيرا في عدد المتسولين وأطفال الشوارع، وكذلك ارتفاع نسبة معدلات الجريمة بشكل لافت للنظر، والحكومة تتبع سياسات لا تتعلق بالعدالة الاجتماعية ولكن تتبع ما يسمى "العدالة التعويضية"، وهو ما يدمر الجيل الحالي من أجل الجيل القادم، وهذا الأمر غير موجود في كل الإنسانيات أو السياسات بالعالم، ولا يوجد أي ضمان أمام المواطن إلا ثقته في النظام الحاكم، وهناك ثقة كبيرة في النظام القائم لأن هناك شعبية كبيرة له من بعد ثورة 30 يونيو، ويتم استغلال ذلك سياسيًا.

-أين الأزمة الحقيقة في البلاد ومن أين نبدأ الإصلاح الاقتصادي في رأيك؟
أزمة البلاد الآن في "الصحة والتعليم" ومن يضع الرؤية الاقتصادية للبلاد لا يملك الحس الاجتماعي، والحكومة تفتقد الإحساس بمعاناة بالمواطن ولا بد أن نعترف بذلك، كما أن الحكومة غير قادرة على توقع الأزمات المستقبلية التي وارد التعرض لها، ويجب أن يكون هناك هامش في الخطة الاستراتيجية أن يضع في الحسبان الأزمات المتوقعة وكيفية الخروج منها وحلها، لكن مع الأسف نفتقر إلى الفكر الكامل في إدارة الأزمات.

- هل نجحت روشتة صندوق النقد الدولي حتى الآن أم فشلت ؟
مجلس إدارة صندوق النقد الدولي أغلبه من الدول المتقدمة أصحاب الاقتصاد الكبير في العالم، وبالتالي تلك الدول لديها أجندة سياسية كما لديها أهداف اقتصادية، فتلك الدول تدفع الأموال لكن لديهم أهداف سياسية وراء ذلك، والغرض من صندوق النقد الدولي هو الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي لأي دولة عند حد معين، ونستطيع القول إن ما لا يصنعه الإرهاب يمكن أن يصنعه صندوق النقد الدولي، حيث إنه على مدى تاريخ تجربة صندوق النقد الدولي عالميًا قد تسبب في فشل وإفلاس العديد من اقتصاد الدول حول العالم.

*إذن نستطيع القول إن تجربة مصر مع البنك الدولي لن تعود بالنفع على الاقتصاد المصري؟
مصر لم تنجح مرة واحدة في سداد ديون صندوق النقد الدولي، وكل تلك القروض ديون مُرحلة، فمصر تستدين، ونعتمد على تمويل صندوق النقد الدولي منذ فترة السبعينيات، ومنذ هذا الوقت الديون تتراكم ويتم ترحيلها، لكن صندوق النقد لديه ثقة في إمكانية مصر على تسديد القروض، لأن مصر تثبت بذلك أن لديها أصولا تستطيع السداد من خلالها، مثل الدعم والتعليم والخدمات الأخرى، فيأمر صندوق النقد برفع الدعم عن الصحة أو عن التعليم حتى يضمن السداد.

والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قال إن 25 مليون مواطن لا يستحقون الدعم، وكما نعلم فإن هناك حدا أدنى للدعم وهو 1500 جنيه، وهذا المبلغ كافٍ إذا حصل المواطن على الدعم، لكن في حالة عدم وجود الدعم سيتحول من طبقة متوسطة إلى طبقة فقيرة، والدولة لا تمتلك ما يسمى "المدخل الوقائي" من الأزمات الموجودة، ونتعامل مع المدخل العلاجي فقط، بمعنى إننا نعالج المصابين بفيروس "سي"، لكن لا نوضح ما هي الإجراءات الوقائية حتى لا يصاب أحد بالمرض، والآن معظم أموال الدولة موجهة للجانب العلاجي، والجانب الوقائي غير موجود، والجانب الوقائي هنا المقصود به هو الجانب التنموي للاقتصاد.

- ما تعليقك على تصريح رئيس الوزراء بأن مصر تحتاج إلى عامين ونصف العام حتى تؤتي قرارات الإصلاح الاقتصادي ثمارها؟
الوزراء مناصبهم سياسية وليست تنفيذية، والسياسي لا يحاسب بشكل كبير على التصريحات التفاؤلية ولكنه يحاسب على التصريحات التشاؤمية حتى وإن كانت واقعية، ودائمًا المسئولون يعطون المواطن الأمل في أن القادم أفضل.

ولا يوجد لدينا جهة تستطيع تحديد مستوى الاستحقاق، والدولة لابد أن تعترف بمسئوليتها الكبيرة عما يحدث، فإذا كانت الدولة مسئولة عن النجاح ونلصق بها أي نجاح، فلابد أيضًا أن أي فشل ينسب لها وليس للمواطن، والدولة والمواطن مسئولان عن النجاح وعن الفشل، وهناك تخبط في الأرقام والفترات الزمنية التي تعلنها الحكومة.

- هل يمكن وصف المشروعات القومية التي نفذتها مصر مؤخرًا بأنها "فنكوش" لأنها لم تدر ربحًا ؟
المشروعات القومية "مش فنكوش"، بالعكس هي مشروعات حقيقية يتم تنفيذها في الواقع وموجودة، لكن الأزمة أن الدولة اتجهت لتنفيذ أكثر من مشروع في وقت واحد، وبالتالي استنفدت كل الأموال في عمليات الإنشاء، ابتلعت الاحتياطي المصري، وابتلعت المعونات التي تم تقديمها لمصر، وكذلك القروض، على اعتقاد من الدولة أن تلك المشروعات محصنة ضد الفشل، وهذا غير حقيقي، بمعنى أن هذه المشروعات ممكن أن تتوقف؛ نظرًا لأي ظرف سياسي أو اقتصادي، فإذا دخلت البلاد حربا أو تعرضت لأي أزمة، تلك المشاريع لن تتحمل، وبالتالي ما أنفقناه على تلك المشاريع يعد خسارة.

- هل كانت مصر في حاجة إلى إصلاح اقتصادي.. وهل سياسات مبارك الاقتصادية هي السبب فيما نحن فيه الآن؟
مصر تحتاج بالطبع إلى إصلاح اقتصادي، وبدأنا في سياسة الإصلاح منذ عام 1986 في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وكانت سياسات إصلاح هيكلي، لكن ما يحدث الآن من سياسات الإصلاح لا تراعي البعد الاجتماعي بالشكل الكافي، فنجد أن 6 ملايين مواطن فقط من يشملهم البعد الاجتماعي، ولكن عدد الفقراء في مصر أكبر من ذلك بكثير، ووفقًا لإحصائيات عام 2015 فإن 30% من الشعب المصري تحت خط الفقر، وهذه الإحصائية رسمية، وهذا قبل موجات الغلاء التي شهدناها مؤخرًا، وإذا حاولنا قياس معدلات الفقر الآن سنجدها وصلت لـ 48% لأنه لا يوجد دخول ولا يوجد إنتاج.

- هل ترى أن حزمة القرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها مؤخرًا من تعويم للجنيه وما تابعه من غلاء أسعار ستؤثر فى انتخابات الرئاسة القادمة؟
بلا شك أن غلاء الأسعار وتلك القرارات الاقتصادية أثرت بالفعل فى شعبية الرئيس السيسي، لكن الفكرة في تناقض القرارات إذ أنه تم زيادة 100 جنيه على دعم التموين قبل عيد الفطر بيوم، وبعدها بيوم واحد تم اتخاذ قرار رفع الدعم وزيادة أسعار السلع التموينية، بمعنى أن الحكومة أعطت المواطن 100 جنيه، وأخذتها 300 وسعر "أنبوبة البوتاجاز" في نهاية عام 2017 سيصل إلى 115 جنيهًا، لأن وقتها سيتم رفع الدعم الكامل عن الغاز، ولكن لدينا أمل أنه في عام 2020 مصر ستكون دولة مصدرة للغاز الطبيعي بعد أن نشبع احتياجاتنا من الغاز الطبيعي، وأن يكون محور قناة السويس بدأ في الإتيان بثماره.

- تقارير تؤكد أن قانون الضريبة المضافة أخطر من قرار رفع أسعار الوقود.. وحصيلة الضريبة المضافة 50 مليار جنيه.. تعليقك؟
عجز الموازنة يزيد بشكل كبير، أجور العاملين في الدولة كانت عام 2010 تقترب من 90 مليار جنيه، والآن وصلنا إلى 250 مليار جنيه رواتب ما يعني ثلث الموازنة، والناس قدرتها على إشباع احتياجاتها يقل رغم كل تلك الزيادة في الرواتب، وأنا ضد مسألة زيادة الضرائب إذا كانت معدلات زيادة الضرائب مرتبطة بمعدلات التهرب الضريبي، حيث إن المشكلة إن 60% من المشتركين في القوافل الضريبية يتهربون من دفع الضرائب، وكلما تزيد الضرائب كلما زادت معدلات التهرب، لكن إذا خفضنا الضرائب وأضفنا مزايا ضريبية لمن يدفع، لن يتهرب أحد من الضرائب.

وقرابة الـ 35% من سكان القرى لا يدفعون فاتورات الكهرباء والمياه، ولن تستطيع الحكومة أن تقطع الكهرباء على قرى كاملة، وعلى الحكومة أن تقلل الأسعار كي يتمكن المواطنون من الدفع.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية