رئيس التحرير
عصام كامل

مصر الفريدة.. السماء تتكلم ...


"وبقت مصر بعدها عشرين عاما لم يسمع عنها شيئا في التاريخ وأقل الأمم ذكرا في التاريخ .. أسعدها".

هذه هي آخر الكلمات التي كتبت عن مصر بعد أن خرجت من أشد وأعتى تجربة مرت عليها في كل تاريخها العظيم، مصر في العام ١٠٦٩م وفي منتصف النهار فجأة ودون سابق إنذار، أظلمت الشمس فساد الظلام الحالك كل الأرجاء وظهرت النجوم في قلب السماء فدخلت الطيور إلى أعشاشها وتسمر الكل مرتعدا من هول المنظر ولحق ذلك مباشرة نقصان كبير في مياه النيل فشحت الأقوات واختفى الخبز من الأسواق وأصبح هو أغلى شيء قد يباع في مصر فهناك من باع حارة كاملة مقابل طبق من الدقيق وها هي حارة الطبق في مصر القديمة تشهد إلى يومنا هذا.


رأينا الأم تأكل طفلها وباع الخليفة المستنصر كل كنوزه ولم يتبق له شيئا ليأكل فظهرت امرأة فاضلة كانت ترسل له يوميا رغيفا من الخبز كى يبقى على قيد الحياة، وهنا كانت الوقفة الكبرى من الشعب، نظر الجميع إلى السماء وأخذوا يتضرعون إلى الخالق كي يرسل رحمته فخرج المسلمون والمسيحيون واليهود من كل صوب وحدب واتجهوا إلى شاطئ النيل وأخذ الكل يناجي الله بحرارة وصدق فتلاشى الكبرياء البشري تحت وطأة الجوع وشبح الموت فخرجت التضرعات من أعماق القلوب صارخة انقذنا يا خالق الكون.

لم يعرف المسيحي من المسلم ولا الأمير من الغفير تساوى الجميع وانسحقت كل النفوس في لحظة فريدة من نوعها فجاء رد السماء سريعا وعفى الله عن شعب مصر، فبدأت بشائر الخير تلوح في الأفق ونسمات الحياة تدق أبواب أم الدنيا فتفاعل الناس بشكل غريب مع بعضهم بعضا في محبة وإخاء ونقاء لا يعرف التمييز ولا يدرك الكبرياء، فاستراحت مصر بسبب لحظة صدق حقيقية خرجت من قلب كل مصري، وكان نتيجة ذلك أن بقت مصر بعدها عشرين عاما لم يسمع عنها شيئا في التاريخ وأقل الأمم ذكرا في التاريخ .. أسعدها.
الجريدة الرسمية