رئيس التحرير
عصام كامل

القصة الكاملة لعبد الناصر والإخوان ومحاولات الهجوم على «الجماعة 2»

فيتو

توقع المؤلف الكبير وحيد حامد، أن ينال الجزء الثاني من مسلسل «الجماعة» هجوما شرسا من الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم، فأعد نفسه للمعركة، لكنه فوجئ بأن المعركة جاءته من الناحية الأخرى؛ من الناصريين وأهل اليسار. 


هذه المعركة وتلك اللكمات كان سرها، هو ما أشار إليه المسلسل بشأن انتماء الرئيس جمال عبد الناصر للإخوان في شبابه قبل الثورة، وهو ما اضطر سامي شرف، السكرتير الشخصي للرئيس الراحل، بأن يستهل الهجوم على المسلسل، خلال مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب، وتبعه كل من خالد منتصر وخالد يوسف وعدد من المؤرخين، الذين وصفوا روايات العمل بأنها محرفة ومزيفة ولا علاقة لها بالتاريخ.

 وحيد حامد وهؤلاء



أما الحقيقة فهي عكس كل هؤلاء، خاصة إذا كانت مدعومة بوثائق واعترافات وشهادات من أهل العصر نفسه، فالعلاقة بين الإخوان وعبد الناصر مؤكدة، واقترابه من حسن البنا لا شك فيه، ليس فقط بشهادات الآخرين، ولكن على لسانه شخصيا، في خطاب شهير له، أكد فيه علاقته بالإخوان وحسن البنا، وجلساته المتكررة بعد الثورة مع المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة.


البداية
هناك 5 شهادات من مصادر مختلفة بشأن بداية العلاقة بين عبد الناصر والإخوان، منها مرشد الإخوان الرابع محمد حامد أبو النصر، وحسين حمودة أحد الضباط الأحرار والذي يكره جمال عبد الناصر، وثلاثة مصادر أخرى لناصريين أشداء، مثل المؤرخ عبد الله إمام، وآخرين اقتربوا من عبد الناصر بشدة، كالضابط خالد محيى الدين.


وكل هؤلاء لا يمكن أن يتفقوا على رواية واحدة كاذبة، وهذه الرواية من قلب مذكراتهم واعترافاتهم.

يقول حامد أبو النصر في كتابه "حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر": "كانت دروس البنا كل ثلاثاء، يحضرها خليط مجتمعي بينه ضباط جيش، حمل بعضهم لواء الدعوة ونشروها بالجيش، ضم ضباطا منهم عبد المنعم عبد الرؤف عام 1945، ثم كون الطيار عبد المنعم مجموعة للجماعة داخل الجيش من ضمنها جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وخالد محيي الدين، وبايع عبد الناصر الإمام في بيت الأستاذ صالح العشماوي بحي الخليفة".


ويتفق معه حسين حمودة أحد الضباط الأحرار، بنفس الرواية التي اعترف بها في كتابه "أسرار الضباط الأحرار والإخوان المسلمين": "بنهاية عام 1943 انضممت للإخوان عبر عبد المنعم عبد الرؤوف الذي عرفني على محمود لبيب والإمام البنا واتفقنا نحن الأربعة على إنشاء تنظيم للإخوان داخل الجيش، التقيت بجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محيي الدين وآخرين ببداية 1944 وظللنا نجتمع كتنظيم الإخوان المسلمين بالجيش إلى مايو 1948 حينما قامت حرب فلسطين، تم تكليف كل عضو بتكوين شبكة من 7 ضباط لا يعرف كل فرد بكل مجموعة الآخرين، لسرية العمل، قمنا لاحقا بحلف اليمين للانتماء للإخوان في منزل بحي الخليفة"، ولم يذكر حسين حمودة، صاحب المنزل، الذي هو صالح عشماوي، كما ذكر أبو النصر في روايته.



والرواية الثالثة في هذا الصدد كانت لكمال الدين حسين، أحد الضباط الأحرار في كتابه "الصامتون يتكلمون": "مع تخرجنا انخرطنا بالسياسة ولم يكن هناك رابط بيننا، كان جار عبد المنعم عبد الرؤوف عضو تنظيم سري ما بالجيش وناشط ضد الاحتلال، وهو من جمعني أول مرة بعبد الناصر ومحمود لبيب بشقة عبد الناصر، تكررت اللقاءات قبل حرب فلسطين بسنوات ثلاث ولم نكن وقتها من الإخوان ولكن كنا قد أقسمنا يمين المصحف والمسدس الذي به نكون ضمن التنظيم الخاص تحت قيادة السندي".


وهي نفس رواية الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف نفسه، في مذكراته "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش": "في أواخر مايو 1942 التقيت حسن البنا ومحمود لبيب لأول مرة، واقترحت تكوين مجموعة إخوانية من ضباط الجيش ووافق البنا ولبيب، وفي أكتوبر 1942 دعوت عبد الناصر لحضور جلسات الإخوان وحسين حمودة وكمال الدين حسين وكوننا مكتبة إسلامية واستمرينا إلى 1946 في ضم ضباط لتنظيم الإخوان بالجيش، ومع الصدامات السياسية 1946 تم الاتفاق على تدريب شباب الإخوان عسكريا وذهبنا نحن السبعة، خالد محيي الدين وعبد الناصر وكمال الدين حسين وحسين حمودة وسعد توفيق، بداية 1946 إلى بيت بالخليفة، وقمنا بالقسم على السلاح والمصحف بحضور عبد الرحمن السندي".


وبالعودة إلى المسلسل نجد أن المؤلف الكبير وحيد حامد، لم يخرج عن إطار كل هذه الشهادات التي أكدها هؤلاء وآخرون أيضا، فاعتراف عبد الناصر بأحد مشاهد المسلسل، بأنه أقسم بالولاء والطاعة، لم يكن كذبا أو تلفيقا، بل من شهادات الإخوان أنفسهم، وشهادة المقربين من جمال عبد الناصر؛ سواء المختلفين أو المتفقين معه. 


ولم يعط المهاجمون أي تبرير أو حجة لهجومهم وغضبهم من مشهد جمال عبد الناصر، وعبد الرحمن السندي، الذي قام بدوره الفنان أحمد عزمي، والذي اعترف فيه ناصر بالقسم أمامه عندما كانوا معا في التنظيم، فهل غضبوا من الحقيقة الثابتة بكل هذه الشهادات والاعترافات، أم من المؤلف وحيد حامد لأسباب أخرى؟.



أما المشهد الثاني وبالمناسبة كان المشهد الأول لجمال عبد الناصر في المسلسل، عندما كان ضابطا واستدعاه رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي، أمام رئيس الأركان، لشكوكه بأنه على علاقة بتدريب مجموعة سرية من ضباط الإخوان داخل الجيش. 


وهذه القصة وردت بكتاب الضابط حسين حموده، حين استدعاه جمال عبد الناصر بعد الثورة ليسأله عن علاقته بالإخوان، فيقول حموده لناصر: "لقد قطعت صلتي بعبد الرحمن السندي بناء على نصيحتك لي في سنة 1950 بعد أن أعلمك إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر بأنك كنت مع آخرين من الضباط يدربون الجهاز السري للإخوان". 


ولم يذكرها "حمودة" وحده، بل آخرون كان منهم خالد محيي الدين في مذكراته الشهيرة "الآن أتكلم" والذي أكدها نقلا عنه المؤرخ الناصري عبد الله إمام في كتابه: "عبد الناصر والإخوان المسلمون"، وكذلك ثروت عكاشة.




شكوك حول ناصر
أمران لم ينتبه لهما المهاجمون، الأول أن المؤلف وحيد حامد لم يؤكد أن عبد الناصر كان منتميا قلبا وقالبا للتنظيم، والأمر الثاني هو أنه أشار إلى الشكوك التي كانت تدور حوله بشأن انتمائه وإخلاصه للجماعة. 


واستنادا إلى المصادر التاريخية للمؤرخين والشهداء على العصر، أجمعت على أن عبد الناصر لم يضع الجماعة في قلبه، لكنهم اختلفوا بشأن نيته، فأحدهم قال إنه كان "مكيافيلليا" نفعيا، واستغل الجماعة لتحقيق طموحاته الخاصة قبل الثورة مثلما قال حامد أبو النصر في كتابه، وكذا حسين حمودة. 


لكن المؤرخ عبد الله إمام، أكد ذلك لكن بتفسير آخر، وهو أن التنظيم لم يكن موحد الفكر والأهداف، ولكنه كان يضم مجموعة متباينة الاتجاهات من الضباط الوطنيين الذين التقوا على عدد محدود من الأهداف، ولكن علاقاتهم مع الإخوان كانت معقدة، وكانوا دائما يلجئون إلى الإخوان لحل مشكلاتهم دون أن يجدوا عندهم أي حلول. 


وعن عبد الناصر، قال إنه كان على صلة بكل الحركات السياسية وأراد لم شمل كل الأطياف السياسية لمواجهة الاحتلال والنظام الملكي، بعد أن علم بوجود تنظيمات سرية داخل الجيش. 


وبالرجوع إلى المسلسل، نجد مشهدا بين حسن العشماوي، القيادي الإخواني، الذي قام بدوره الفنان محمد الكيلاني، وجمال عبد الناصر، يطلب فيه الأخير من العشماوي، أن يخبره بأسماء التنظيم السري للإخوان داخل الجيش، ولكن العشماوي يرفض بعد أن قال له: "مركزك في الجماعة محل تساؤل"، أي شكوك، ليوجه له جمال عبد الناصر كلمات قاتلة توضح وجهة نظره في الجماعة، فقال: "حسن بلاش نضحك على بعض، الإخوان شغالين لحسابهم، وعلاقاتهم بالملك زبادي بالعسل، وبالإنجليز بالنهار أنت عدوي، وبليل إحنا في حضن بعض".



الخلافات
لم تنشأ الخلافات بين عبد الناصر والجماعة بعد الثورة، فكانت موجودة قبلها، عندما طلب حسن البنا أن ينضم تنظيم الضباط الأحرار للجماعة وهو ما رفضه ناصر، كما ذكر عبد الناصر بنفسه في خطابه الشهير، بأن الإخوان بعد الثورة حاولوا فرض وصاية على قيادات الثورة، مستشهدا بمطالبة حسن الهضيبي له بفرض الحجاب على نساء مصر، الأمر الذي سخر منه جمال عبد الناصر، وطالب المرشد بأن يحجب ابنته التي تدرس في كلية الطب أولا، وهو ما عرضه مسلسل "الجماعة 2".



ونشأت عدة خلافات بسبب ترشيح الهضيبي للشيخ الباقوري في وزارة الثورة ثم تراجعه عنه، لكن عبد الناصر كان قد قرر أن يكون وزيرا، وهو ما أدى إلى فصل الباقوري عن الجماعة، وعندما أرسل المرشد حسن العشماوي ومنير الدلا، ليكونا وزيرين، رفض عبد الناصر. 


وعندما أنشأ جمال عبد الناصر، هيئة التحرير، طلب من الهضيبي دعمها، لكن الهضيبي رفض، وهذا ما أكدته المصادر سواء حسين حموده أو حامد أبو النصر في شهادتهما، أو المؤرخ عبد الله إمام في كتابه، وسليمان الحكيم في كتابه "عبد الناصر والإخوان من الوفاق إلى الشقاق"، وهو ما لم يتجاهله المؤلف الكبير وحيد حامد.



الجريدة الرسمية