رئيس التحرير
عصام كامل

الإنسان في القرآن


ومازال الحديث موصولا عن الإنسان، الإنسان هو أكرم المخلوقات وأشرف الكائنات، وهو محور الكون وحامل أمانة الاستخلاف في الأرض، وهو المنوب من الله تعالى عنه عز وجل في عمارة الأرض، وإقامة العدل الالهي، ونشر الرحمة بين ربوعها، وهو السيد المسخر له ما في السموات والأرض، وهو المكلف والجامع ما بين الاختيار والتسيير ، فهو المخير في أن يؤمن أو أن يكفر، وفيما كلفه الله تعالى به، وله أن يطيع أو أن يعصي وسوف يسئل ويحاسب عن ذلك، والإنسان مسير فيما لا يعنيه ولا يسئل عن ما سيره الله فيه، من ذلك مصدر وجوده في الحياة وهما أبواه، ونوع جنسه، ذكر أو أنثي لونه أبيض أو أسود، مدة إقامته في هذه الحياة..


والإنسان هو المظهر الجامع لمظاهر عوالم الأكوان، ففيه طوى الله تعالى بقدرته العالم الأكبر، وهو مراد الله تعالى من بين خلقه، حيث يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا ابن أدم خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا يشغلنك ما خلقت لك عما خلقت لأجله"، وهو المكرم والمؤهل للمقام في حضرة القرب، ومعايشة إنس ربه تعالى ومولاه جل علاه، ولكن لن يتحقق ذلك إلا بالخضوع والخشوع والانقياد لله تعالى، والالتزام بالعبودية الخالصة له سبحانه يقول تعالى: "فأسجد واقترب".

والإنسان هو الجامع للأضداد، والقابل للسمو والتدني، يقول عزوجل: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها"، وهو صاحب أجل وأعظم صورة ومظهر، يقول تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، وهو المكرم من الله تعالى، يقول عز وجل: "ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"..

والإنسان هو اللغز المحير لأنه الجامع للمتناقضات في آن واحد، فيه نفخة الرحمن وطينة الأرض وتدنيها، ومن بني جنسه اصطفى الله الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين، والإنسان هو القريب البعيد، الشقي والسعيد، وهو الملك والشيطان والمؤهل للجنة والنار، وهو العابد الزاهد والضال المضل، وهو أعلى مظهر في الكون للإعجاز الإلهي في عالم الخلق، هذا وأعتقد أن الإنسان سيظل لغزا محيرا لما حواه في تكوينه من جوارح وحواس وملكات وما أودعه الله فيها من الأسرار، والتي منها الروح وسرها، والقلب وسره، والعقل وسر الله فيه، والنفس وما ركب  الله فيها من غرائز وشهوات ورغبات وأهواء، ونقف حائربن عاجزين أمام أسرار الله تعالى التي حواها الإنسان..

ما الروح وما القلب وما العقل وما النفس، هذا وهناك من بنو الإنسان من خصهم الله بالمعرفة، ممن اصطفاهم الله واجتباهم ومنه تعالى أدناهم، وكاشفهم بحقائق ذواتهم وكاشفهم بأسراره عزو جل التي أودعها في ممالكهم، وهؤلاء هم العارفون به جل جلاله، الذبن جعل قلوبهم موضع نظره سبحانه المنظور إليهم بعين عنايته، والممنحون أنوار هدايته وهم الذين رزقهم الله تعالى ما يسمى بالفهم الرباني، أي يفهمون به تعالى لا بأدوات الفهم المركبة في البشر، فهم يفهمون به سبحانه، منه سبحانه، عنه عز وجل، وفي قوله تعالى: "ففهمناها سليمان" إشارة وتأكيدا على ذلك، وفي ختام المقال أسأله تعالى أن يجعلنا ممن رزقهم الفهم الرباني، وأن يحققنا بمعرفة حقائق ذواتنا، وإلى مقال آخر إن شاء الله تعالى.
الجريدة الرسمية