غابة الأشجار الملتوية
في العصر الهلنستي اكتشف الطبيب السكندري "هيروفيلوس" أن الشرايين تحتوي على دماء وليس هواء - كما كان الاعتقاد من قبل - ومنذ ذلك الحين بدأنا تصنيف الأشخاص بأن لديهم دماء من عدمه حسب سلوكياتهم ومواقفهم وصدقهم.
بعد اكتشاف "هيروفيلوس" بعدة قرون أنقذ جندي شجاع مدينة "سيينا" من الغزو، ففكر الناس في مكافأته بأن يجعلوه حاكم المدينة أو يغدقوا عليه الأموال ثم رأوا أن هذه الأمور أقل بكثير مما يستحق، فاقترح البعض أن يتم قتل الجندي ثم عبادته باعتباره "إله" حفظ المدينة من الدمار.. وبالفعل قاموا بهذه الفعلة الشنيعة!
ويقال في الأمثال (الدبة التي قتلت صاحبها) للدلالة على إيذاء من نحب، بينما نظن أننا نساعدهم، وهو سلوك تُجيده بالفعل بعض "الدببة" والأخيرة تعيش في الغابة التي يقوم بزيارتها "الحطابون" لقطع الأشجار "المستقيمة" بينما يتركون الأشجار "الملتوية" باقية حتى امتلأ بها المكان ولم يعد هناك موطئ قدم، وأسماها الناس (غابة الأشجار الملتوية) لأنهم فهموا أن مقياس ازدهار الشجرة وبقائها على قيد الحياة هو التواء جذعها مع أنغام الموسيقى ودقات الطبلة.
ولأننا نأمل ألا نعيش في غابة حتى وإن كان بيننا بعض الدببة - عديمة الدماء والحياء- لذا علينا ألا نهتم بالاستماع لنصائحها وتبريراتها التي قد تحول اخضرار الغابة إلى فيضان بحر يغرقنا جميعًا بجانب أهمية التفرقة بين الأعشاب الضارة الواجب اقتلاعها، وبين الأشجار مستقيمة الجذوع راسخة الجذور التي لا يجب إيذاؤها لأنها عند الحاجة ستكون حائط الصد للفيضان بعد أن نكتشف أن الأشجار الملتوية لا تفيد أبدًا إلا كأحطاب تُلقى في النار.