رئيس التحرير
عصام كامل

إعلام النكسة.. وحمدى الكنيسي في ذكرى الانتصار!


في صباح الخامس من يونيو 1967، فوجئنا بأخبار العدوان الصهيونى على ثلاث دول عربية، وكانت البيانات تبعث على الفرحة والسعادة، فالفرصة سانحة للجيوش العربية من تحقيق النصر، وتحرير فلسطين الحبيبة، لم يكن أحد لديه شك في هذا، لأن الإعلام وقادتنا كانوا يؤكدون أننا لمنتصرون، ومع تسريب الأخبار من إذاعة لندن كما كنا نسميها قديما-"بى بى سى" حاليا، كانت الصدمة عنيفة، في الوقت الذي كنا نترقب دخول الجيوش العربية تل أبيب وتحرير فلسطين، فوجئنا بأننا على الشط الغربى للقناة، يا لها من صاعقة سقطت على الجميع، وتكشفت الحقائق الرهيبة، المهم هنا الكارثة حالة الكذب الفجة التي كان عليها الإعلام العربى عامة والمصرى خاصة.


وطبيعى تغير كل شىء بعد النكسة لاستعادة الثقة بين الإعلام والمواطن وقد حدث بالفعل عندما تغيرت الرؤية الإعلامية وعودة الصدق مع المواطن، لم يعد هناك مبالغة أو كذب على المواطن، وكان رائعا في حرب "العاشر من رمضان- السادس من أكتوبر"، أن يكون الإعلام المصرى هو المصدر الأساسى الذي اعتمد عليه المواطن بعد أن استعاد ثقته على مدى "السنوات الست" السابقة للحرب.

في لقاء مع اللواء عبدالحميد خليفة أحد أبطال الصاعقة المصرية، الذين خاضوا معارك في الاستنزاف وأيضا خلف خطوط العدو في حرب "العاشر من رمضان-السادس من أكتوبر" لمدة 200 يوم، كنت أحاوره مشددا على دوره ودور كل الأبطال الذين حملوا السلاح، ولكنه قال: البطولة ليست للذى حمل السلاح فقط، الشعب المصرى كله كان بطلا في حرب السنوات الست، كل فرد في موقعه بطل، وهنا أخص الإعلام، هل تصدق أننا على الجبهة كنا ننتظر يوميا برنامج الإعلامي الكبير حمدى الكنيسى "صوت المعركة" هذا البرنامج كان يصل إلى كل فرد من القوات المسلحة وكان يلهب حماسنا الشديد، وأنا شخصيا أعتبر دور الأستاذ حمدى الكنيسى في هذا البرنامج أهم من دور أي مقاتل يحمل السلاح، لأن تأثيره أقوى وأشمل.

ويضيف اللواء البطل عبدالحميد خليفة: كنا ننتظر برنامج "وجوه على الشط" الذي كان يقدمه الخال عبدالرحمن الأبنودى كانت تؤثر فينا بشكل غريب ونحن على الجبهة وتجعل معنوياتنا في السماء ونحن نواجه العدو الصهيونى.

بمناسبة ذكر اسم الإعلامي الكبير حمدى الكنيسى الذي يعد بعمله الفذ "صوت المعركة" كان بطلا من أبطال "حرب السنوات الست"، إننى لا أستطيع أن أنسى كيف كان يقدم لنا حوارات مع الأبطال على الجبهة وسط أصوات المدافع وفى الخنادق، ومن الحلقات التي لا تنسى اللقاء مع عدد من الأبطال الذين يستعدون للمعركة، وأن دورهم سيكون خلف خطوط العدو، الرائع هنا أكمل الحلقة لى بعدها بأكثر من أربعين عاما، قال:

هؤلاء الأبطال كنت أستمد منهم الروح والعزيمة والشجاعة بالرغم من دوري رفع معنوياتهم، المدهش والذي لم نذعه للمستمعين هو أن هؤلاء كانوا مهمتهم إيقاف أو منع أي مساعدات تأتى للخطوط الأولى، هؤلاء كانوا يدركون أنه ذهاب بلا عودة، أي أن الاستشهاد 100%، كل ما في الأمر هو إطالة أعمارهم بقدر الإمكان لوقف أي دعم من احتياطي العدو لصفوفه الأولى،..

ويروى الكنيسى هذه القصة ودموعه في عينه، ويقول: "كلما التقيت بأى منهم كنت أحضنه وفى الحقيقة أودعه ولا لقاء آخر"، ويؤكد الكنيسى على الروح والثقة والإيمان التي كانت تملأ نفس هؤلاء كانت مدهشة ورائعة.

لماذا الآن سرد دور الإعلام المصرى بعد نكسة يونيو إلى انتصار أكتوبر!؟ لأننا بالفعل في مأزق شديد، في الوقت الذي أصبح العالم يمكن مخاطبته والتواصل معه من جهاز في حجم كف اليد، أصبح حجم ما يدس في الإعلام كذبا وتدليسا أكثر بكثير من الحقائق، أصبح المتلقى حائرا مندهشا، أيهما يصدق؟ أين الحقيقة!؟

لابد أن نعترف أن الثقة في الإعلام تراجعت كثيرا، على سبيل المثال العلام الذي جعل البعض أبطالا لثورات ما يسمى الربيع العربى، قدمهم الإعلام مرة ثانية على أنهم خونة وعملاء، أصبح الصوت العالى من الجميع هو أحد أهم الملامح لما يقدمه للمواطن، وكأن المواطن يستحق التربية من جديد، لهذا يصرخ الإعلام في وجهه، الصحافة الورقية مهددة بالاختفاء، الإعلام في مأزق حقيقى، حتى من تابع قضية "تيران وصنافير" ومشكلة "قط" يرى أن الإعلام يقود إلى التشتت، والتشرذم، متى سيعود الإعلام العربى عامة والمصرى خاصة إلى دوره الحقيقى التنويرى، الدور الذي يشحذ الهمم وليس يثبطها، يجمع المجتمع لا يمزقه!
متى ومن المسئول!؟
المسئول نحن جميعا.. أما متى يعود الإعلام لدوره الحقيقى التنويري.. الله أعلم.. ورمضان كريم!
الجريدة الرسمية