رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء طيار نبيل شكري عن معركة 5 يونيو : "هزيمة" وليست نكسة.. والطيارون ظلموا في "67"

فيتو






البطل اللواء طيار نبيل فريد شكري، الذي أدرج اسمه في الموسوعة العالمية "جينيس ريكورد"؛ بسبب مشاركته في التدريبات القتالية 7 أعوام بعد حصوله على رتبة لواء، وهو الذي أسقط أول طائرة إسرائيلية يوم 5 يونيو 67، فهو لا يعرف شيئًا عن الهزيمة.

"شكري"، الذي التقته "فيتو" لتتحدث معه عن "أمر النكسة"، التي يصر على تسميتها "الهزيمة"، أكد أن الوطن بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه وبخاصة أن يكون هذا الوطن "مصر أم الدنيا ومهد الحضارات" التي كرمها الله على سائر بلاد الأرض.

وأضاف: "ربتني أمي على حب الوطن والدفاع عنه مهما كانت التضحيات وأنا عشقت الطيران منذ الصغر كان خالي وأولاده طيارين وكنت أذهب معهم إلى مطار ألماظة أحيانا وأشاهد الطيارين وهم يصعدون إلى السماء فـأشعر بأنهم أرواح فرسان طائرة، ولكن والدتي كانت تخاف عليّ جدًا ومنعتني من التقدم لكلية الطيران ودخلت كلية الشرطة وبعد عام تركتها وتقدمت لكلية الطيران ونجحت ودخلتها عام 1954 وتخرجت فيها 15 سبتمبر 1956 وبعدها حدث عدوان 56... فإلى نص الحوار:

مصر تلقت في 67 ضربة قاسية أثرت فيها لكنها لم تفقد الوعي.. كيف كانت الهزيمة وأسبابها؟
القوات المسلحة المصرية دائمًا تتعلم من أخطائها؛ لأنها تقوم بتحليل أسباب الخطأ ومعالجته، ومن جانبى سأتحدث عن القوات الجوية تحديدا، ففي 5 يونيو 67 تكرر خطأ العدوان الثلاثي عام 56، لكن القيادات وقتها لم تدرس جيدًا الموقف ولم تستمع للمتخصصين، أما بالنسبة للقوات الجوية عندما حدث العدوان الثلاثي دخلت الطائرات على ارتفاعات منخفضة ولم يراها الرادار وأيضًا الطائرات كانت مكشوفة على الأرض، وقام الفريق صدقي محمود وكان قائدًا للقوات الجوية بعمل دراسات لأسباب التدخل الجوي في 56، ووجد أنه سهل جدًا لأي دولة غزو دولة أخرى وأن النتائج في خسارة 90% من الطائرات هي ضربة على الأرض لعدم وجود دشم تحميها، وقام بعمل العديد من الدراسات وتم تنفيذ وبناء دشمة، وحاول أحد الطيارين ضربها فلم يستطع فتقدم الفريق صدقي بطلب للقيادات العليا يوصي بسرعة بناء هذه الدشم، ولكن لم يحدث ولا أعرف السبب حتى الآن، ربما كان التمويل بسبب ما كانت تمر به البلاد وقتها هذا هو الشق العسكري.

تحدثنا عن الشق العسكري.. فكيف كان الأمر من الناحية السياسية؟
أما الشق السياسي فإن عبد الناصر أغلق خليج العقبة الذي يمثل شريان الحياة لإسرائيل وطرد بعثة الأمم المتحدة ووضع مدافع في شرم الشيخ وهو بمثابة إعلان الحرب، وتم رفع حالة الاستعداد القصوى للطيارين في 15 مايو وكنا ننتظر أن نحارب.
وأنا تزوجت يوم 11 مايو وتم استدعائي للقاعدة في أنشاص بعد 3 أيام من فرحي، ولم أرفض الأمر لأنه يتعلق بروحي مصر والدفاع عنها، وتركت زوجتي وسلمت نفسي إلى قاعدتي في مطار أنشاص الذي رفع حالات الاستعداد الأولى والثانية والثالثة.

وكان الطيارون مرابطين في المطار وهذا يعني "أن كل طيار يرتدي الباراشوت وشادد حزام الأمان في الطائرة ومستعد للإقلاع خلال 3 دقائق والاشتباك مع أي هدف" وينتظر أوامر الملاح الأرضى بناءً على معلومات الرادارات للاشتباك مع الأهداف المعادية.

وفوجئنا الساعة التاسعة صباحًا بالطائرات الإسرائيلية تقصف أولا الممرات بقنابل جديدة تستخدم لأول مرة واسمها "قنبلة الممرات" تسقط على الممر وتقوم بعمل حفرة كبيرة ثم تنفجر لـتحدث خسارة كبيرة به، وطائرات أخرى تضرب الطائرات الموجودة على الأرض، ولم يأت للطيارين أمر بالإقلاع لعدم وجود أهداف ظاهرة على الرادار لأن الطائرات الإسرائيلية دخلت على ارتفاعات منخفضة واستهدفت الممرات والطائرات وهو ما تسبب في خسارة 90% من القوات الجوية يوم 5 يونيو 67.

وكيف تعاملت مع الهزيمة وأسقطت طائرة للعدو في هذا اليوم؟
حتى الآن لا أستطيع وصف شعوري وقتها لأن الألم كان صعبا ومرارته لا أزال أشعر بها حتى الآن تحطم الطائرات التي كنت أعشقها أمامى، ولم أستطع فعل شيء، إضافة إلى استشهاد بعض زملائي داخل طياراتهم وكانوا مرابطين فيها ولم يستطيعوا حتى الطيران للدفاع عن أنفسهم "أمر مهين ومؤلم"، ولكن كان هناك بارقة أمل، فالعدو الإسرائيلي كان يستهدف أي طائرة ظاهرة، ولكن قاعدة أنشاص تقع بجوارها حديقة الملك كثيفة الأشجار، وكان هناك نحو 3 أو 4 طائرات في التخزين داخل الأشجار نجت من القصف الإسرائيلي فركبت سيارة جيب وهرعت إلى مكان تخزينها، وأصدرت أمرًا للمهندسين والفنيين بتحضير الطائرات، وتطلب الأمر نحو ساعتين؛ لأن الطائرة في التخزين يتم وضع وقود وزيوت لصيانتها ويتطلب الأمر وقت تغييرهم وأثناء ذلك الوقت ذهبت بالسيارة الجيب استطلع الممرات حتى وجدت قطعة من ممر فرعي رقم 22 سليمة وقستها بعداد السيارة الجيب وجدتها من 900 إلى 950 يصلح الطيران منها بحذر وتصل نسبة النجاح فيه 10% فقط.

وتم تجهيز الطائرة وصعدت إليها وجاءني الرائد سامي فؤاد وقال لي حرفيًا "بتعمل إيه يا نبيل قلت أستعد للطيران فقال مستحيل الخطر كبير، فقلت له خلي واحد يحاول ويموت"، ثم شرحت له أنني وجدت قطعة في الممر وسوف أخرج منها وبالفعل حاولت ونجحت في الصعود واشتبكت مع طائرتين ميراج، لكن للأسف طائرتي تعمل طيرانا ليليا وليس بها مدفع وإنما بصاروخين ولها شروط للإطلاق وظللت أناور مع الطائرتين لإبعادهما عن المطار وأقول "يارب يمشوا" وبالفعل استعدت إحداها للعودة هو ما كنت أنتظره لأنه حال دورانها تكون في مرمى إطلاق صواريخي، وبالفعل أخرجت الصاروخ الأول تجاهها وشاهدت دخانا رمادي اللون، والطائرة تصعد بسرعة، ثم أخرجت الصاروخ الثاني فأصابها في مقتل وهوت بسرعة على وجهها واصطدمت بالأرض، وطلبت الإذن بالنزول في المطار ولكنهم رفضوا حتى لا تنفجر طائرتي بسبب عدم صلاحية الممرات التي تم تدميرها، لكننى حاولت النزول ونجحت ولم أصب أنا أو الطائرة سوى عجلات الهبوط فقط.

كيف استقبل زملاؤك هذا النجاح؟
عندما هبطت أخبرتهم أنني أسقطت طائرة، لم يصدقوا الأمر لأن طائرتي كانت طيرانا ليليا ولا تستطيع ضرب أهداف في النهار، وأبلغتهم أننى أسقطت طائرة ميراج في منطقة بين الزقازيق وأبو حماد ثم أخذت السيارة الجيب وذهبت للمنطقة ووجدت حطام الطائرة وعرفت أن الطيار قفز منها عندما ضربته أول صاروخ ولكنه مات وسقطت الطائرة بعدها وقمت بأخذ قطعة من الطائرة عليها جزء من نجمة داوود كتذكار ظل معي لمدة تزيد على 49 عاما، وأهديته منذ شهور لمتحف القوات الجوية الحديث الذي تم إنشاؤه منذ عام.

كيف تم تكريمك بعد هذه البطولة؟
هزيمة يونيو كما أسميها وليست نكسة كما يطلق عليها البعض لأن الحرب من وجهة نظري جولات كل واحد من الخصوم يكسب جولة ثم نحسب في النهاية نتيجة الجولات وعلى أساسها نعرف المنتصر.

إسرائيل نجحت في يونيو بضرب الطائرات والممرات، لكنها لم تنجح في ضرب الطيارين الذين استشهد منهم الكثير وهم يحاولون عمل أي رد فعل ومنهم زميلي الرائد سامي فؤاد الذي صعد إلى إحدى الطائرات بعدي بدقائق واستشهد بعد ربع ساعة من طيرانه وغيره كثير من الأسماء.

ومن جانبى نفذت 3 طلعات جوية يوم 8 يونيو وناورت ولكنني لم أصيب أو أصب، واستشهد معي في تلك الطلعة الرائد حسن القصري، كما نفذت 3 طلعات أخرى يوم 9 وأيضًا ضربنا أهدافا في سيناء 14 و15 يونيو، الموضوع هنا أن النصر الذي حققته إسرائيل لم يكن كبيرًا كما يدعي البعض، فسرعان ما استعادت مصر قوتها ووقفت مرة أخرى وحققت النصر، وقد حصلت على وسام النجمة العسكرية في 15 أغسطس 67 بسبب إسقاطي للطائرة الإسرائيلية يوم 5 يونيو.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية
عاجل