رئيس التحرير
عصام كامل

وصرنا قلوبا غليظة !


في رمضان نعيش للأسف تضاربًا صارخًا في أبشع صوره، تضاربًا يفسد علينا ديننا ودنيانا.. تحولنا بالشهر الكريم، شهر الانتصارات والبركات إلى شهر الملذات والمعاصي.. وبدلًا من أن نكون قلوبًا رهيفة ترق لحال الفقراء وما أكثرهم فتتصدق وتجزل العطاء للمحتاجين، وتقتصد في استهلاك الطعام والشراب والكساء والسهر.. صرنا قلوبًا غليظة تسرف وتبذر، وبطونًا تلتهم ما يقابلها بلا هوادة حتى صارت أوعية شر وبيتًا للداء والعلة، وسببًا في الخمول والكسل.


لم يقف إسرافنا عند حدود التهام الطعام والشراب بل تعدى كل الحدود.. فما أكثر ما أضعناه من أوقات في مشاهدة مسلسلات وأفلام وبرامج، فضلًا على إهدار مليارات الجنيهات على إنتاجها بلا مضمون حقيقي ولا قيمة إنسانية تحض على العمل أو تعيد إحياء القيم الجميلة التي كادت تختفي من حياتنا، خصوصًا في هذا الشهر الفضيل.

صار صيامنا للأسف مجروحًا، ونقاؤنا الروحي مشوشًا؛ ومن ثم فليس مستغربًا في بيئة نَهِمة كهذه يشتد فيها الطلب على السلع والخدمات أن تتفاقم الأسعار مما هي عليه أصلًا بسبب صعوبة الظروف والاختلالات القديمة المتجددة، الأمر الذي اضطرت معه حكومتنا لضخ مليار جنيه إضافية لدعم السلع والخدمات ومواجهة ارتفاع الأسعار، وهذا طبعًا خصمًا من متطلبات أخرى لا تقل أهمية بل ربما تزيد.

كل ذلك يجعل السؤال ضروريًا: كيف يصنف المصريون بأنهم أكثر أهل الأرض تدينًا وفي الوقت ذاته أكثرهم استهلاكًا.. لماذا نصر على أداء العبادات ولاسيما الصيام شكلًا بينما نزهق روحها في سلوكنا وتعاملاتنا اليومية.. كيف نصوم عن الحلال في نهار رمضان، ثم نسقط في غواية مسلسلات هابطة وأفلام ساقطة وبرامج غوغائية تثير الغرائز أكثر مما تحرض على النقاش والتفكير في حلول لمشكلات الوطن والمواطن وقضايا المستقبل، تنمي قيم العنف والإدمان والانتقام، والقتل والبلطجة، والاستسهال والبذاءة والعري، وتدفع لمزيد من التخلف والجمود العقلي والفساد الروحي والتدهور الأخلاقي.
الجريدة الرسمية