رئيس التحرير
عصام كامل

مشروع الغاز المغربي النيجيري يدخل حسابات سياسية

فيتو

على الورق يبدو مشروع خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا عملاقًا بكل المقاييس، من حيث رسمه لخارطة جيوـ إستراتيجية جديدة تربط بين المغرب ودول غرب أفريقيا، غير أن خبيرة ألمانية شككت في بعض الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع.


أطلقت المملكة المغربية ونيجيريا رسميا دراسة جدوى مشروع عملاق لخط أنابيب غاز، يفترض أن يبلغ طوله نحو أربعة آلاف كيلومتر، ويعبر 12 دولة تضم سوقا يبلغ سكانها ثلاثمائة مليون نسمة، قبل وصوله إلى الأسواق الأوروبية. ويقدم البلدان المشروع كنموذج لـ"التعاون جنوب / جنوب". 


وينخرط هذا المشروع في ما يمكن وصفه بالتحول الجذري في السياسة الخارجية للمغرب، الذي استعاد مؤخرا عضويته في الاتحاد الأفريقي، وقدم رسميا طلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، التي تعد نيجيريا أحد أعضائها الرئيسيين.


هذا التحول سيتيح للمغرب فك العزلة الجغرافية، التي تفرضها الجزائر، وسيمكنه في الوقت ذاته من تحييد موقف أبوجا من الصراع على الصحراء الغربية وبالتالي كسر محور الجزائرـ أبوجا ـ بريتوريا، الداعم الأساسي في أفريقيا لجبهة البوليساريو، التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.


وإذا تُرجم المشروع إلى أرض الواقع؛ فسيُتيح للمغرب تعزيز نفوذه الاقتصادي بقوة في دول أفريقيا الغربية، وهي منطقة تعرف أصلا تواجدا مكثفا للاستثمارات المغربية. وبالنسبة لنيجيريا سيتيح لها خط الغاز الجديد الوصول للأسواق الأوروبية علاوة على أسواق دول غرب أفريقيا.


غير أن هذا المشروع يثير عددًا من الأسئلة التي لا تزال عالقةً، وبخاصة من حيث الجدوى الاقتصادية. أسئلة جوهرية، يطرحها أي مستثمر وتتعلق بالمردودية المالية، وما إذا كان الطلب مستداما على المدى المتوسط والبعيد. وكذلك طبيعة العقود السائدة حاليا في سوق الغاز هل هي طويلة أم قصيرة المدى؟


الدكتورة كيرستن فيستفال، الخبيرة الدولية في شئون الطاقة في "المؤسسة الألمانية للسياسة والعلوم (SWP) في برلين، تتفهم الفوائد الجيوـ سياسية للمشروع المغربي النيجيري، لكنها ترى أيضا أن هذا المشروع قد لا يصمد أمام منطق النجاعة الاقتصادية والتحولات الجذرية التي تعرفها حاليا سوق الغاز في العالم. ولا ننسى أن جزء من خط الغاز موجود على الأرض ويربط بين نيجيريا، بنين، توغو وغانا، ويعرف من حين لآخر مشكلات تجارية، بخصوص عدم قدرة بعض الدول على تسديد ثمن الأقساط التي تستهلكها من الغاز.


مشروع بلا واقعة
وأوضحت فيستفال "من وجهة نظري، هذا المشروع يفتقد للواقعية، فمن شروط نجاح هذا النوع من المشاريع التقليل من دول العبور. فكل بلد يعبره خط الغاز يجب اعتباره مصدرًا محتملًا للخلافات، بما فيها التجارية، حيث يسعى كل بلد للحصول على رسوم مرور أعلى".


وترى الخبيرة الألمانية أن التحدي الثاني يكمن في التحول، الذي تعرفه سوق الغاز في العالم، فهي سوق مشبعة بالعرض، بل وهناك فائض في الإنتاج. ثم إن المصدرين يسعون حاليًا لإسالة منتجهم الغازي أو ما يسمى بـ (LNG)، وبالتالي فالغاز الطبيعي السائل بات لدى الكثير من المتعاملين الخيار الأكثر إغراء لأنه يتيح مرونة كبيرة من حيث الوصول للأسواق ذات المردودية الكبيرة".


المشروع يراهن في مرحلته النهائية على اقتحام سوق الغاز الأوروبية، غير أن التعويل على هذا الرهان مبالغ فيه؛ فأوروبا "وصلت للتخمة، والطلب على الغاز لا ينمو أو يراوح مكانه في أحسن الأحوال، عكس ما هو عليه الحال في آسيا"، على حد تعبير فيستفال. أما أسواق دول غرب أفريقيا والمغرب، فهي متواضعة نسبيا بالنظر لضخامة حجم الاستثمارات اللازمة. غير أن العجلاوي الموساوي الأستاذ في معهد الدراسات الإفريقية بالرباط أوضح أن "المشروع يفتح بابا جديدًا لأوروبا للتزود بالغاز أمام تراجع الغاز الجزائري وهيمنة الروس على الأوروبيين".


وإذا صدق هذا التصور، فإن هناك مشاريع كثيرة مماثلة يمكن لأوروبا أن تدعمها لأسباب سياسية، منها خط غاز بحر قزوين، الذي خُطط له ليربط بين تركمانستان وأذربيجان ومنها إلى تركيا ودول الاتحاد الأوروبي. وهذا ما توضحه فيستقال بالقول "هذا المشروع مغرٍ نظريًا، لكن منطق السوق يقفز في الغالب على منطق السياسة. ولذلك، لم يترجم للواقع وهو يشترك مع المشروع المغربي ـ النيجيري في كثرة دول العبور، إضافة إلى الغموض بشأن آفاق نمو الطلب العالمي". ومنطق السوق في أوروبا يقوم حاليا على الاعتماد على الغاز الروسي والنرويجي مع اللجوء لاستيراد الغاز السائل عند الحاجة. وترى الخبيرة الألمانية أنه "قد نسمع في المستقبل عن دعم أوروبي للمشروع المغربي ـ النيجيري، إلا أنه دعم قد لا يتعدى مستوى الكلام".


صراع على الغاز
"المغرب يسبق الجزائر إلى غاز نيجيريا ويترقّب المرور لأوروبا"، "المغرب يحسم صراعه مع الجزائر حول الغاز النيجيري"، "هكذا فاز المغرب بكعكة الغاز النيجيري وصد احتكار الجزائر"، هذه بعض عناوين الصحف، التي تناولت المشروع على ضوء الصراع بين الإخوة الأعداء. فبعض التحليلات الجزائرية ذهبت إلى اعتبار الأمر انتكاسة لمشروع جزائري منافس أُطلق قبل 15 عاما بين نيجيريا والجزائر عبر مالي والنيجر، إلا أنه لم يرَ النور ليس فقط لتدهور الوضع الأمني في الدول المعنية ولكن أيضا لأن "الجزائريين لم يتوصلوا أبدًا بتأكيدات نيجيرية موثوقة بشأن احتياطاتهم من الغاز"، على حد تعبير على عيساوي الخبير الدولية في شئون الطاقة في حوار مع موقع "مغرب إميرجان" الجزائري في الخامس من ديسمبر 2016.


وبهذا الشأن يوضح العجلاوي أن "الجزائر ليست معنية بهذا الأنبوب، فالأمر يتعلق بتكملة لأنبوب بين نيجيريا وغينيا وسيمر من مناطق ساحلية (أوفشور) خارج مناطق نفوذ الدول. كما أن الأنبوب سيمكن من تجميع ونقل الغاز المكتشف في سواحل موريتانيا والسنغال".
 

ويستطرد العجلاوي موضحا المزايا السياسية للمشروع من وجهة نظر مغربية "هذا المشروع سيخلق وضعًا جديدًا بشأن قضية الصحراء، وهو ما ليس في صالح النظام الجزائري، ثم إن هذا المشروع ينخرط في إطار عودة المغرب للاتحاد الأفريقي وبالتالي بتحول موازين القوى في القارة"، على حد تعبير الخبير المغربي، الذي يضيف "الواقع أن الوضع الحالي يترجم درجة العقم، الذي وصلت إليه العلاقات بين المغرب والجزائر بشكل يتحدى منطق الاقتصاد والتاريخ، فلا شك أن هذا المشروع ما كان ليولد لو كان هناك اندماج إقليمي بين البلدين في إطار المغرب الكبير".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية