..وأصبحت واحدًا من لصوص الأراضى!
فجأةً؛ وجدت نفسى واحدا من لصوص أراضى الدولة، وفجأةً؛ رأيت بأم عينى بلدوزرات الحكومة تزيل من على وجه الأرض، كل ما من شأنه غير الصحراء الجرداء، وبدون مقدمات وجدت نفسى مع سبعمائة إعلامي وصحفى نواجه آلة الهدم بلا ذنب اقترفناه.. القصة باختصار هي أرض الإعلاميين التي حصلنا على كافة موافقات الجهات الحكومية عليها، وكان أول الموافقين عليها قواتنا المسلحة أيام المشير طنطاوي!!
أتذكر عندما أراد الدكتور محمد إبراهيم سليمان - وزير الإسكان في ذلك الوقت، التوسع في مدينة أكتوبر، وتقدم للحصول على مساحات على طريق الواحات الصحراوى، وكانت تلك الأراضى تحت ولاية قواتنا المسلحة التي وافقت على الأمر، مع إصدار خارطة تؤكد وجود مجموعة من الكيانات القائمة، وكانت المجموعة المصرية للإعلاميين الشبان من هذه الكيانات، وحصلنا على صورة من الخارطة مدموغة بخاتم القوات المسلحة، وقد كتب عليها لا يجوز تغيير هذه الكيانات، واعتبرنا أن عبارة بهذه القوة من واحدة من أهم مؤسسات الدولة هي بمثابة شهادة لنا بحقنا.
مضت من عمرنا سنوات بلغت العشرين، ونحن ندور بين دهاليز الحكومة خاصة وأن الأرض تغيرت وظيفتها بضمها إلى كردون المبانى.. أحالونا إلى جهات عديدة للتعامل معنا، كان آخرها وزارة الإسكان وبدأت مفاوضات كانت في معظمها منطقية، وكان أهمها منح الإعلاميين نسبة من هذه الأرض وترك مساحة أخرى للمرافق، أما المساحة الأكبر فستكون من نصيب وزارة الإسكان.
وعندما تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن وضع اليد، وطلب مواجهته خلال شهر فوجئنا بأننا لصوص أراض، وعلى الفور توجهت بلدوزارات الهدم لتزيل بيوتا ومزروعات، وكل ما علا وارتفع على سطح الأرض، في مشهد مهيب.. فجأة أصبحنا مطاردين وليس لنا مأوى أو مهرب من واقع أليم أضاع أحلام فئة لا تزال تعانى شظف العيش فكانت الأرض سبيلا وطريقا لمواجهة حالة العجز التي عانى منها معظمنا طوال حياته.
لم يكن الزميل عمرو أديب يدرك حقيقة الأمر عندما تناول في إحدى حلقاته موضوع أرض الإعلاميين، فأصاب بلا قصد بيوتا كانت تتصور أن في هذا المشروع مخرجا لها من وطأة العوز التي يعانى منها معظم الإعلاميين والصحفيين، وعمرو بالطبع ليس منهم.. عشرون عاما من الحلم الزائف ذهبت في لحظة عندما هوت البلدوزارات بعنف مبالغ فيه وقال بعضهم إن الإعلاميين سرقوا أرض الدولة.
ولأننى واحد من هؤلاء ترددت كثيرا في أن أتناول الموضوع؛ حرصا على الموضوعية، وحفاظا على ما تبقى من تاريخ أتصور أننى حافظت عليه لأولادى وضميري، وقبل كل هؤلاء لنفسى.. غير أن الواقع كان أكثر إلحاحا ومرارة وغصة تسربت إلى النفس، دفعتنى للقول بما كان يجب أن يكون فإن كنا لصوصا فلماذا لم تصادر الأرض بما عليها؟ إن أثبتت الأيام صحة موقف الحكومة فالأولى لها أن تستفيد بما على الأرض.. وإن لم يكن فليعود الحق إلى الناس.
هذا المشهد تكرر في محافظات كثيرة دون دراسة للأمر، خاصة وأن قضية وضع اليد منصوص عليها في القانون، وليست اختراعا جديدا ولا التفافا على حق.. القانون نفسه نص عليها ونظم كيفية التقدم للحصول على أراضى الدولة، وأى تغييرات قانونية كان يجب أن تسبق خطوة الهدم والإزالة..
بعد هذا المشهد الدرامى المحزن؛ زفّ إلينا السيد عمرو أديب خبرا يقول إن وزارة الإسكان تنتظر من الإعلاميين التقدم بما لديهم من مستندات.. يا الله !!!
ما أريد أن أقوله إن الإعلاميين لم يستولوا على الأرض، وإنما حصلوا على موافقات القوات المسلحة والآثار والمحاجر، وانتظروا عشرين عاما لتخصيصها، فما الذنب الذي اقترفناه لكى تخرج علينا بلدوزارات الحكومة لتضعنا أمام الرأى العام على أننا لصوص أراض؟!!