كاسترو يحتج فى ألمانيا
لم يتعد عددهم العشرة، وضعوا مطبوعاتهم الألمانية للأسف على ترابيزة صغيرة أمام الفندق. يوزعون بيانات على المارة أياً كانوا بما فيهم سائق التاكسي، أعجبنى أنه لا يهمهم عدد من يوصلون إليه وجهة نظرهم، ففى النهاية تصل، وبالتراكم من الممكن أن تتسع من عشرات إلى مئات والآف.
وفى ألمانيا يمكن للآلاف أن يضغطوا ويغيروا سياسة ما. فالعاصمة برلين كما قال صديقى الاستثنائى مجدى يوسف، تم اختيارها كعاصمة لألمانيا الغربية قبل التوحيد بفارق صوت واحد فى الاستفتاء.
هؤلاء ألمان وكوبيين يحتجون على وجهة انظر أحادية تطرحها المنظمة الدولية الألمانية فى الشأن الكوبى، ففى مؤتمره السنوى الذى تعقده فى مدينة بون، انتقاد عنيف لحقوق الإنسان هناك.
الشاب الألمانى وزوجته الكوبية تساءل: لماذا كل هذا التركيز على كوبا والصين وإيران ومصر، فى حين أن القائمين على هذه المنظمة يتجاهلون دولاً مثل السعودية وقطر وتشيلي، هذا أولاً وثانياً إنهم يتجاهلون أن من ضمن حقوق الإنسان أيضاً العلاج والتعليم والمستوى الاقتصادى الكريم فى كوبا، وهذا لا توفره بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية التى تحرم الفقراء من العلاج.
كان الشاب مخلصاً ومتحمساً، كان يذكرنى بشبابى عندما التحقت باليسار، بل وانضممت إلى إحدى منظماته السرية. وقالت زوجته الجميلة إنها كانت تعيش فى كوبا، وأسرتها ما زالت هناك وليست لديها أى مشاكل، فحقوق الإنسان ليست فقط فى أن تهتف فى أحد الميادين ضد نظام الحكم.
طبعاً التقليل من أهمية حقوق الإنسان، أمر مخزٍ مع كامل احترامى للشابين. ولم يعد مقبولاً الحديث عن إطعام الشعوب وعلفها كالحيوانات باعتبار أن هذه هى كل الحقوق، أو على الأقل أهمها. فقد ثار الكثيرين ضد مبارك وليست لديهم مشاكل اقتصادية، هذا ما قلته للشابين وناصرنى فيه الصحفية الزميلة إسلام عزام. كما أنه لم يعد مقبولاً الدفاع عن نظام مستبد، لأنك تكره من يعادونه.
لكننا وافقنا الشاب على الظلم البين فى حصار بلد مثل كوبا على امتداد أكثر من نصف قرن، كما لابد من الإشادة بهذا الصمود وخاصة بعد أن جفت منابع المساندة من الدولة العظمى التى كان اسمها الاتحاد السوفيتى.
لكن مارتين ليسينثن المتحدث باسم المنظمة الألمانية لحقوق الإنسان ردا على هذه الاتهامات مؤكداً أنهم لا يجدون من يساعدهم فى هذه البلدان، أى تشيلى والسعودية والإمارات وغيرها، لكى يصدروا تقارير ويدينون الانتهاكات فيها، كما شدد على أنهم كانوا يصدرون تقارير ضد مبارك، رغم أنهم كان حليفاً للحكومات الألمانية المتعاقبة.
بالنسبة لى رد غير مقنع، لكن فى كل الأحوال السؤال ليس: لماذا تنحاز هذه المنظمة أو غيرها؟ فالسؤال الأهم هو: هل هذه الانتهاكات موجودة فعلاً أم لا؟
فالسؤال الأول يقودنا إلى التبرير للطغاة، والتبرير فكاسترو الذى لم يترك الحكم إلا بسبب المرض الشديد، والآن أخيه يخلفه فى حكم كوبا، وبرر لى الشاب الألمانى ذلك بأنه الأخ تولى من قبل تولى عدة مناصب وقيادى بالحزب، أما السؤال الثانى، فيجعلنا نتوحد جميعاً ضد القبح وضد انتهاك أى إنسان مهما كانت الأسباب والخلفيات.
ففى زماننا أظنه سقط وإلى الأبد اسطورة أن العدل يمكن أن يتحقق عبر أى طريق غير الحرية.