رئيس التحرير
عصام كامل

«منع الأسماء الأجنبية» قانون شجاع لنائب محترم!


كنت قبل سنوات في طريقي إلى مبنى نقابة الصحفيين عندما اتصل بي الكاتب الكبير الأستاذ جمال أسعد.. قال: "أنا اسمي جمال أسعد وابني اسمه شادي" ضحكت على الفور فقد فهمت أنه يقصد التحقيق الذي كتبناه في اليوم نفسه بجريدة "الأسبوع" ( التي تشرفت بالعمل بها حتى سنوات مضت) وناقشنا فيه اختفاء ظاهرة الأسماء المشتركة وأن تماسك المصريين في تراجع وكل من مسلميه ومسيحييه يعودون للأسماء الأصولية لكل منهم حتى اختفت من مجتمعنا أسماء مثل "عماد - عادل- سمير - جمال- طلعت- جميل- مكرم - رفعت- صفوت- ماجد- وديع - رأفت- نظمي - عصام -مجدي- فوزي - رزق - منصور) وغيرها من الأسماء الوسيطة بين المسلمين والمسيحيين والتي يستحيل معها أن تعرف ديانة صاحبها إلا أننى سألته أو أبلغك بذلك خصوصًا أن نسبة كبيرة كانت أسماؤها الثلاثية حتى أن الأب إثناسيوس راعي كنيسة 15 مايو اسمه الحقيقي مجدي رزق توفيق !!


ولأننا نختلف مع من يقولون إن الدول تتفكك بانحطاط الأخلاق إذ أن عشرات الدول المنحطة متماسكة وقوية وستظل متماسكة وقوية.. حيث نرى أن الدول تتفكك عندما تزداد التناقضات الداخلية فيها عن حدود المنطق.. وكل الدول التي تعاني من أزمات انفجرت بها تناقضاتها فحدثت الصراعات المسلحة ومصر الدولة المتجانسة بغير أقليات عرقية أو قبلية أو دينية بالمعنى العلمي لكلمة أقليات حيرت كل المتربصين بها..

فاللعب على الطائفية فشل بل يحدث العكس ونجد مصر كلها تتوحد وقت الخطر ورغم أن مخطط "الطائفية" مستمر فإن أعداء بلدنا الآمن ذهبوا للسير في صناعة تناقضات داخلية في مصر لم تكن موجودة حتى أنهم "يعملوها عمولة" كما يقولون فنجد مصر في أربعين عامًا تم فيها الآتي: طبقة وسطى فككت تقريبًا وعادت مصر كما كانت قبل ثورة يوليو طبقتين إحداهما صغيرة لأثرياء يمتلكون كل شيء حتى المصايف الخاصة وأخرى كبيرة جدًا تضم بقايا الطبقة الوسطى التي هبطت إلى الطبقات الدنيا بكل شرائحها وفي مصر.. أيضًا تم استهداف الوعي والثقافة واللغة والتاريخ فصار لدينا أكثر من تعليم.. فخلاف التعليم الرسمي الحكومي عندنا تعليم إنجليزي وأمريكي وألماني وكندي وصيني وفرنسي.. ولكل تعليم ثقافته التى تشمل الأدب والموسيقى والغناء.. وليس الخطر أن يحدث ذلك كله على حساب اللغة العربية وتاريخ مصر وثقافتها فقط وإنما أيضًا لأنه بعد سنوات سيخلق في مصر أكثر من مجتمع كل منه يكون غريبًا عن الآخر وكلهم غرباء عن مصر!

والآن انتقلت الأسماء الأصولية إلى الأجنبية وتحول معها داوود إلى ديفيد ومرقس إلى ماركو وبطرس إلى بيتر وفرنسيس إلى فرانسوا وأندراوس إلى أندرو، ولذلك فالقصة ليست قصة أسماء مسيحية، إذ أن عددًا من الأسماء المسيحية جزء من الثقافة المصرية وليس فيها أي اغتراب ومنها أسماء مثل "صموئيل ـ جورج ـ وليم ـ جرجس ـ برتي ـ غبريال ـ حنا ـ مينا" وغيرها من الأسماء.. أما إن تركنا الأسماء الأجنبية تتزايد فستتحول بعد فترة إلى واقع سينعكس على الهوية وعلى التفرقة بمجرد معرفة الاسم كحال دول تشهد صراعات الآن.. وسينعكس أيضًا على أسماء شركات ومؤسسات بل مدن سكنية ملك لشركات ستحمل كلها -وهذا حقهم- أسماء أصحابها.. وعندها دخلنا في المحظور فلا مصر هي التي عشنا فيها كما هي ولا حافظنا عليها وعلى المجتمع الواحد المتماسك ومع تزايد التناقضات عن حدود المنطق ستصل مصر لا قدر الله إلى لحظة الانفجار المحتوم!

والحل؟ الحل أن نفكك وبشجاعة وبالقانون وبقوة نافذة جبرية كل لغم سينفجر فيما بعد لا يستقيم معه الدفع بالحرية الشخصية كما صدر قانون حظر العناوين الأجنبية (على المحال التجارية حتى لو أهمل ولم يطبق) فالنقاب حرية شخصية والقانون ينظمه ومكبرات الصوت حرية شخصية والقانون ينظمها وأزياء معينة حرية شخصية والقانون ينظمها وأحيانا يمنعها.. وتربية الكلاب حرية شخصية والقانون ينظمها والأمثلة كثيرة.. والأمم المحترمة المتحضرة تخطط لمستقبلها لعشرات السنوات القادمة.. وكل خراب الدول الأخرى بدأ في الأصل قبل سنوات طويلة واستصغروه ولم يهتموا به وليس وليد اليوم بل أكيد وجدوا من يقول لهم "اشمعني الموضوع ده" وكأن المطلوب أن يكون كل نواب البرلمان مثل بعضهم يقدمون قوانين واحدة دون أي تنوع فيما بينهم!!

فقط نحتاج النظرة العميقة البعيدة -ـكما فعل النائب المحترم بدير عبد العزيز- وليس النظر تحت أقدامنا ولا أن نكرر خلف الإخوان ودون أن ندري وبحركة السلوك الجماعي على شبكات التواصل الاجتماعي كل عبارات السخرية والاستهزاء من كل شيء وأي شيء حتى لا يتم لمصلحة البلاد أي شيء!!
الجريدة الرسمية