رئيس التحرير
عصام كامل

«الباشا سوابق».. مخدرات وسلاح وآثار وابتزاز أبرز جرائم الضباط.. الداخلية: لا تستر على فاسد.. ولجان رقابية تعد تقارير سرية عن العاملين بهيئة الشرطة.. خبير أمني: إعادة هيكلة جهاز الشرطة هو الح

وزارة الداخلية
وزارة الداخلية

أن يحترف عاطل تجارة المخدرات أو يرتكب جريمة قتل، أو يتورط في واقعة سرقة منزل أو محل تجارى أو نصب.. وأن يتزعم مجرم مسجل خطر عصابة للسرقة بالإكراه أو التنقيب عن الآثار أو سرقة السيارات، فهذه أمور عادية تحدث بشكل يومى، أما أن يتورط ضابط أو شرطى في مثل تلك الجرائم، ويتحول من رجل المنوط به الحفاظ على الأمن والممتلكات العامة والخاصة، واحترام القانون وتطبيقه، إلى بلطجى أو لص أو تاجر مخدرات وسلاح، فهو أمر لا يتقبله العقل بسهولة ويتطلب وقفة متأنية لبحث أسباب هذا التحول الغريب..


الكلمات والعبارات السابقة سببها هو ما رصده محقق “فيتو” في الفترة الأخيرة من جرائم، تورط فيها ضباط وأفراد شرطة من مختلف الرتب، بل إن بعضهم كان هو العقل المدبر لتلك الجرائم، بعد أن انساق وراء شيطانه، وضرب بمبادئ عمله السامية عرض الحائط، وارتضى لنفسه أن يخرج من صفوف الشرفاء، لينضم إلى صفوف اللصوص والبلطجية وقطاع الطرق والمسجلين..

الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية، تعاملت مع هذه الوقائع الفردية بشفافية تامة، ولم تتستر على مخالف أو متورط، بل ألقت القبض عليهم وإحالتهم إلى النيابة العامة ليطبق عليهم القانون، ما يؤكد حرص الوزارة على بتر أي عنصر قد يسئ إليها، أو يشوه بطولات شهدائها أو إنجازات رجالها الأبطال في مواجهة الجريمة.. ترى ما الأسباب التي قد تدفع رجل شرطة لارتكاب الجرائم.. وكيف يتم التعامل مع المتورطين منهم.. وما رأى خبراء الطب النفسى في تلك الظاهرة؟ هذه التساؤلات وغيرها، يجيب عنها المحقق في السطور التالية، من خلال رصد لتفاصيل بعض تلك الجرائم، ومناقشة خبراء الأمن والطب النفسى فيها.

الواقعة الأولى بطلها ضابط برتبة مقدم كان يعمل في المنطقة المركزية للسجون، إلا أنه تمرد على عمله الشريف، وتملكته رغبة قوية في تحقيق ثروة طائلة، بأسهل الطرق وفى أسرع وقت، فانساق وراء شيطانه الذي زين له التنقيب خلسة عن الآثار داخل منزل أحد أقاربه بمركز المراغة بمحافظة سوهاج، واتفق مع 6 أشخاص ذوى خبرة في هذا المجال بمنطقة البدرشين، وتوجه معهم إلى المنزل المشار إليه، وبحوزتهم المعدات اللازمة للتنقيب، وبدءوا بالفعل في عملهم غير المشروع، وكان دور الضابط في هذه العملية هو توفير الحماية لشركائه، ومنع رجال الشرطة من الوصول إليهم مستغلا عمله في وزارة الداخلية..

استمر العمل لمدة يومين متتاليين، حتى وصلت معلومات إلى رجال شرطة السياحة والآثار حول تلك الجريمة، وأكدت التحريات وجود عصابة يتزعمها ضابط شرطة، تنقب عن الآثار داخل أحد المنازل في قرية تابعة لمركز المراغة.. حاول الضابط، وبعد اتخاذ كل الإجراءات القانونية، تم وضع خطة أمنية، تمكن من خلالها رجال المباحث من إلقاء القبض على الضابط وشركائه أثناء التنقيب عن الآثار وبحوزتهم أدوات الحفر.. حاول المتهم أن يمنع رجال الشرطة من تحرير محضر ضده، بدعوى أنه زميل لهم، ولكن القيادات الأمنية رفضت التستر على ضابط استغل البدلة الميرى في ممارسة نشاط إجرامى.. وفى واقعة مشابهة ألقى القبض على ضابط شرطة أثناء إتمام صفقة بيع 3 قطع أثرية لأحد التجار مقابل 5 ملايين جنيه.

وفى الواقعة الثانية.. اتفق ضابط برتبة رائد، مع عاطلين على ترويج المواد المخدرة التي يقوم بتهريبها من مكتب مكافحة المخدرات، مقابل راتب شهرى يتقاضونه... استمر على هذا الحال فترة من الزمن جمع خلالها مئات الآلاف من الجنيهات.. ظن الضابط أن وظيفته ونفوذه سيحميانه من السقوط في قبضة رجال المباحث، فراح يمارس نشاطه الإجرامى بحرية تامة وجرأة كبيرة..

ذات يوم اتصل الضابط “تاجر المخدرات”، بأحد عملائه وطلب مقابلته في مصر الجديدة لتسليمه كمية من الحشيش، وفى المكان المتفق عليه تصادف مرور دورية أمنية، ارتابت في شريك الضابط الذي كان يقف في انتظاره، وعندما اقترب رجال الشرطة منه حاول الهرب، فطاردته الدورية إلى أن أوقفته وألقت القبض عليه، في هذه الأثناء وصل الضابط إلى المكان، وحاول التوسط لإطلاق سراح شريكه بدعوى أنه يعرفه، وأثناء الحديث سقطت حقيبة كان يحملها الضابط على الأرض، وظهر ما بداخلها من مواد مخدرة، تبين فيما بعد أنها كيلو ونصف الكيلو من مخدر الحشيش.. تم اقتياد الضابط وشريكه المسجل خطر إلى قسم الشرطة وتحرر ضدهما المحضر اللازم وأحيلا إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسهما على ذمة التحقيقات.

الواقعة الثالثة دارت أحداثها في مدينة السادس من أكتوبر.. فيها تخلى ضابط عن كل مبادئ الشرف والكرامة، وارتبط بعلاقة آثمة مع زوجة ضابط أيضًا على المعاش، واعتاد التردد عليها في منزلها لممارسة الحب المحرم، دون مراعاة أنه ضابط شرطة، من المفترض أن يحتفظ على سمعته ويصون كرامة وظيفته.. استمر هذا الوضع غير الأخلاقى فترة من الزمن، وفى أحد الأيام، وبينما الضابط الشاب يمارس نزواته الآثمة مع عشيقته، عاد زوجها فجأة ليضبطهما متلبسين بممارسة الرذيلة على فراشه..

لم يجد الضابط الشاب أمامه سوى القفز من شرفة الشقة بالطابق الثالث، ليسقط على الأرض مصابا بعدة كسور وجروح خطيرة، تم نقله إلى المستشفى لتلقى العلاج فيما تقدم الزوج المخدوع ببلاغ يتهم زوجته بالزنى.. وكشفت التحريات عن أن العشيق دائما ما يختار النساء المتزوجات لإقامة علاقات غير شرعية معهم، مستغلا عمله في جمع معلومات عن بعض السيدات ثم استدراجهن بحجة الزواج العرفى حتى لا تتم معاقبته، وقررت النيابة حبس الضابط والزوجة المتهمة بالزنا.

أما أغرب الجرائم التي تورط فيها ضباط مباحث، فهى تلك الجريمة التي شهدتها مديرية أمن القليوبية، حيث اتفق رئيس المباحث مع أفراد قسم شرطة ثان شبرا الخيمة، على فرض إتاوات على المسجلين خطر وبعض المواطنين لتحصيل أموال منهم وشراء بها كمية من الأسلحة النارية من الوراق وصعيد مصر، تمهيدًا لاستخدامها في تلفيق القضايا للمواطنين الأبرياء، ورفع تقارير تميز عن جهودهم في دائرة القسم لمحاربة الجرائم..

مضت بضعة أشهر على هذا النهج في تلفيق القضايا والابتزاز ماليًا، حتى انكشف المستور، عقب ضبط 22 قطعة سلاح ناري داخل سيارة ميكروباص أعلى دائرى الوراق، ليعترف أحد المقبوض عليهم بأن المضبوطات تخص رئيس مباحث شبرا الخيمة ثان..

ثم توالت المفاجآت وتبين أن الضابط المشار إليه اعتاد الاتجار في الأسلحة والمواد المخدرة بالاشتراك مع ضابطين آخرين، وعدد من المخبرين.. على الفور أصدر وزير الداخلية قرارًا باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين في الواقعة، وبالفعل ألقى القبض على الضباط، واتهمتهم النيابة بالاتجار في الأسلحة والمخدرات والتزوير إلا أنهم أنكروا.

ولم تكن مدينة العبور، بعيدة عن ساحة استغلال بعض رجال الشرطة سلطاتهم، في تسهيل مهام تجار الأراضى في الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضى المواطنين والدولة بالمخالفة للقانون، والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم والتغاضى عن مخالفاتهم بشكل عام، مقابل رواتب شهرية يتقاضونها.. فقد كشفت معلومات وتحريات أجرتها أجهزة الأمن المختصة، وجود مكالمات بين ضابط مباحث برتبة رائد، وبين اثنين من المخبرين العاملين معه في قسم الشرطة، يخبرانه أنهما حصلا على الأموال من تاجر أراض، وأن نصيبه من “العملية” سيصل إلى منزله..

وأشارت التحريات إلى أن الضابط كان يتقاضى مبالغ مالية كبيرة من تاجر الأراضى مقابل التغاضى عن مخالفاته، والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضده، وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية، تم القبض على الضابط وإحالته إلى قطاع التفتيش والرقابة الذي تولى التحقيق معه.

تعليقا على هذا الموضوع قال مصدر أمني مطلع، إن رجال الشرطة ليسوا بعيدين عن الخطأ فهم في النهاية بشر يخطئون ويصيبون، وهناك مخالفات يرتكبها بعض العاملين في الجهاز الأمني، ويعاقبون عليها بشكل فورى وحاسم، وذلك تنفيذا لسياسة وزارة الداخلية القائمة على عدم التستر على أي مخطئ، والتصدى الحازم لأى محاولة للخروج عن مقتضيات وواجبات العمل الشرطى، وأضاف: “اللواء مجدى عبد الغفار، وزير الداخلية، دائما يؤكد أنه لن يسمح بوجود متجاوز في صفوف رجال الشرطة، لأنه يشوّه إنجازات زملائه ويسيء للوزارة كاملة، ويهدم جسور الثقة التي تمدها مع المواطنين.

وشدد أيضًا على أن عصر “عدم محاسبة المهملين” قد انتهى إلى الأبد، وأنه لا تهاون مع أي رجل شرطى مخالف مهما كانت رتبته أو منصبه، وأنه لن يسمح بالعودة إلى الوراء بسبب أخطاء فردية” وأوضح المصدر الأمني أن قطاعات التفتيش والرقابة، والأمن العام، والأمن الوطنى، بالإضافة إلى لجان رقابية سرية، تتابع عن كثب رجال الشرطة، وتعد تقارير سرية عنهم، وفى حالة رصد أي مخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية قبلها فورا.. ومؤخرا تم تطوير آليات العمل في هذا الشأن من خلال تشكيل لجنة تقييم أفراد الشرطة لمد الخدمة أو إنهائها، ولجنة متخصصة للتقييم النفسى والسلوكى لهم، ولجنة دائمة لضبط الأداء الأمني.

أما عن الجرائم الجنائية التي تورط فيها بعض رجال الشرطة، فقال المصدر: “عندما يرتكب الضابط أو فرد الشرطة جريمة جنائية مثل القتل أو السرقة أو الاتجار في المخدرات وغيرها، فإنه يعامل كأى متهم عادي، ويتم إلقاء القبض عليه والتحقيق معه جنائيا، ويقدم للنيابة كى تتخذ ما تراه من إجراءات ضده، وإذا طلبت تحريات المباحث حول الواقعة، فإن رجال الشرطة يجرونها بدقة وحيادية تامة ولا يتأثرون بكونه زميلا سابقا لهم، ولا تتدخل وزارة الداخلية بأى شكل من الأشكال للدفاع عنه أو للتأثير في سير التحقيقات، والدليل على ذلك أن هناك العديد من الضباط صدرت ضدهم أحكام رادعة بعد إدانتهم في قضايا مختلفة”.. وأشار المصدر إلى أن رجال الشرطة ليسوا معصومين من الخطأ، غير أن جرائمهم تكون أكثر خطورة كونهم هم المسئولون عن حفظ الأمن ومطاردة المجرمين، مع التأكيد أن الوقائع التي يتورطون فيها محدودة للغاية ولا يمكن أن تصل إلى درجة الظاهرة.

من جانبه يرى الخبير الأمني العميد محمود قطرى، أن وزارة الداخلية في حاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة، وإعداد لوائح وقوانين جديدة تكون أكثر حسما في مواجهة المخالفين والمنحرفين من المنتمين إليها، مع وضع آليات أكثر وضوحا لمحاسبة من يستغل سلطاته ونفوذه من الضباط، في إلحاق الأذى بالمواطنين، أو ارتكاب جرائم مثل الاتجار في المخدرات والأسلحة وغيرها..

وقال: “لائحة الجزاءات الحالية تبدأ بالتنبيه ثم لفت النظر، ثم الخصم من 3 أيام إلى 3 أشهر من الراتب، ثم الإحالة إلى الاحتياط، وفى النهاية الفصل من الخدمة، وهى جزاءات إدارية توقع على المخالف.. أما إذا كانت المخالفة جريمة جنائية، فإن المتهم يحال إلى النيابة العامة لتحقق فيها”.. وأضاف أن تشكيل لجان لمراقبة وتقييم أداء رجال الشرطة التي أعلن عنها مؤخرا، فهى لا تزيد على كونها “شو إعلامي” ولن تحل المشكلة.

على الجانب الآخر أرجع الدكتور يسرى عبد المحسن، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، السلوك غير السوى لبعض رجال الشرطة، والذي انتهى بتورطه في جرائم جنائية، إلى عدم تأهيلهم نفسيا بشكل جيد خلال الدراسة في كلية الشرطة وقبل الالتحاق بالعمل الفعلى.. وقال إن الضابط أو الشرطى الذي يرتكب جريمة جنائية تتعارض تماما مع طبيعة عمله، هو إنسان لا يقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، وبالتالى فهو يتعامل بلا مبالاة شديدة، ومع الوقت يهمل مهام عمله الأصلى وينسى مبادئه الأساسية، ومن ثم قد يرتكب أي جريمة شأنه شأن أي خارج على القانون..

الدكتور يسرى أضاف: “لا شك في أن النشأة الأولى والتربية الأسرية يلعبان دورا جوهريا في تشكيل شخصية الإنسان، بمعنى أن من يرتكب الجرائم يكون لديه استعداد منذ البداية للانحراف، وعندما يتخرج ضابط في كلية الشرطة، يتولد داخله إحساس بأنه لن يحاسب على تصرفاته، فهو يمثل السلطة ومن ثم – من وجهة نظره- يحق له أن يفعل ما يشاء، ويسعى لإشباع غرائزه التي يراها مشروعة مستغلا نفوذه، ويرتكب الجرائم دون الشعور بأى ذنب تجاه الضحية، أو تأنيب ضمير جراء اتجاره في المخدرات أو السلاح أو الآثار”..

أستاذ الطب النفسى أشار إلى أن تشكيل لجنة لتقييم العاملين بهيئة الشرطة نفسيًا، يعد حلا مؤقتًا لن يعالج المشكلة بشكل نهائى، والأولى أن يتم إخضاع الطالب المتقدم للالتحاق بكلية الشرطة، إلى عدة اختبارات نفسية على أيدى متخصصين، لتحديد صفاته الشخصية وسماته النفسية، وما إذا كانت لديه سلوكيات خاطئة، أو ميول للانحراف من عدمه، والوقوف أيضًا على مدى قابليته للعلاج، وإذا فشل في تلك الاختبارات يتم استبعاده فورا حتى وإن اجتاز باقى اختبارات القبول بالكلية.. وهناك العديد من دول العالم تحرص على إخضاع العاملين في أجهزة الأمن، لاختبارات نفسية دورية بشكل سنوى، لتحديد ما إذا كانوا سيستمرون في العمل من عدمه.. الدكتور عبد المحسن أنهى حديثه بتأكيد ضرورة استئصال المخالفين من رجال الشرطة والتعامل معهم بحسم، حتى لا يتأثر بهم زملاؤهم..

ونفى تمامًا أن يكون “ضغط العمل” وكثرة تعاملهم مع المجرمين، وراء تورطهم في الجرائم، موضحًا أن هذه حجة واهية، فمن الأولى والأفضل أن يحصل الضابط أو فرد الشرطة على إجازة، إذا شعر بإرهاق العمل، بدلا من أن يتورط في جريمة جنائية.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية