أزمة اندماج التلاميذ اللاجئين في المدارس الألمانية
تثير دراسة الطب والصيدلة والهندسة اهتمام أغلب العائلات السورية كخيار لمستقبل أبنائهم. ولكن، قبل الوصول إلى الجامعات لابد من قبول الأبناء في المدارس الثانوية وتحقيق نتائج جيدة والتحدي هنا يطرحه إتقان اللغة الألمانية".
أن يذهب ابني إلى المدرسة المهنية أمر لا يمكن أن أقبله"، هذا كان رد فعل سيدة علمت أن ابنها سيتم نقله إلى إحدى المدارس الثانوية المهنية في مدينة بون. وكغيرها من الأمهات السوريات اللواتي قدمن إلى ألمانيا، ترغب عهد أن يتابع ابنها أحمد دراسته في المدرسة الثانوية ليتمكن فيما بعد من دراسة الطب في إحدى الجامعات الألمانية.
من حلب إلى مصر هربت العائلة السورية من الحرب الدائرة في سوريا بحثا عن الأمان ومستقبل أفضل لأولادها، ولأن الشهادات الألمانية مرغوبة جدا في العالم العربي"قررنا مغادرة مصر والتوجه إلى ألمانيا" حسبما تؤكد اللاجئة السورية في حوار خاص لموقع مهاجر نيوز.
الصف التأهيلي
لكن يبدو أن الرياح جرت بما لا تشتهي عهد، فاللاجئة السورية لم تكن تعرف أن نظام التعليم في ألمانيا مختلف عن بلدها سوريا وعن المدارس في مصر أيضا. فعندما قدمت إلى ألمانيا، بحثت عن مدرسة تكون قريبة من مكان سكنها، ما دفعها إلى تسجيل أولادها في مدرسة كارل زيمروك وهي إحدى المدارس الأساسية في مدينة بون. علما أن التلاميذ خريجي المدارس الأساسية لا يحق لهم متابعة الدراسة في الجامعات الألمانية، بل عليهم متابعة دراستهم في المعاهد المهنية.
في البداية تم ضمّ أولاد عهد إلى مايعرف بالصف التأهيلي" وهو صف مخصص للتلاميذ الوافدين الجدد، وفيه يتم التركيز على تعليم اللغة الألمانية، وإعداد التلاميذ للانتقال إلى الصفوف العادية أو حتى للانتقال إلى مدارس تناسب كفاءاتهم، أي نقلهم إلى المدرسة المتوسطة (العملية) أو الثانوية أو المدرسة الشاملة..
يذكر أن صفوف "Förderklasse" ليست جديدة على المدارس الألمانية، بل كانت موجودة في السابق، لدعم التلاميذ ذوي الأصول المهاجرة، والذين يعانون من ضعف في اللغة الألمانية.
تغييرات غير مناسبة للجميع
لكن سابقا كانت مدة إعداد التلاميذ في الصفوف التأهيلية عامين. والآن، وبسبب العدد الهائل من التلاميذ الجدد الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ عام 2015، ونقص الأساتذة المختصين تم تغير ذلك، حسبما يؤكد السيد هيلزيه مدير مدرسة كارل زيمروك قائلا "لقد تم اختصار مدة تأهيل التلاميذ إلى عام واحد بدلا من اثنين وبعد هذا العام يتم نقل التلاميذ إلى الصفوف العادية وهذا أمر صعب بالنسبة للكثيرين".
وفي حديثها لموقع مهاجر نيوز تؤكد أولمان وهي مدرسة اللغة الألمانية المشرفة على الصف التأهيلي للتلاميذ الجدد في مدرسة كارل زيمروك، ترى هي الأخرى، أن اختصار مدة الصفوف التأهيلية لا يناسب جميع التلاميذ، وتضيف: "ليس كل التلاميذ قادرين على إتقان اللغة الألمانية خلال هذه الفترة القصيرة بشكل كاف يؤهلهم للانتقال إلى الصفوف العادية".
الإنجليزية غير نافعة أحيانا
أحمد وإخوته كان لديهم مشكلة أخرى، إذ يتقن الإخوة الثلاثة اللغة الإنجليزية جيدا، لكن ذلك أثّر سلبا على تعلمهم الألمانية، حسبما تؤكد أولمان وتضيف قائلة "بعض التلاميذ الجدد في سن المراهقة، وهو سن حرج جدا، وإصرار أحمد على عدم الوقوع في أخطاء اللغة الجديدة يدفعه إلى استعمال اللغة التي يتقنها جيدا وهذا أمر صعب جدا".
وإلى جانب ضرورة إتقان اللغة الألمانية خلال زمن قياسي، يعاني الكثيرون من ضغوط نفسية بسبب الحرب التي عاشوها في بلدهم فضلا عن التجارب السيئة التي مروا بها خلال رحلتهم إلى ألمانيا حسبما تؤكد أولمان مضيفة بالقول: "كثير من التلاميذ فقدوا أصدقائهم إما غرقا في البحر أو بسبب الحرب وهذا أمر لا يمكن نسيانه بسهولة".
دور الأسرة
وتشير أولمان إلى أن بعض التلاميذ الجدد يعانون من حالات عدم استقرار نفسي، ولذلك أسباب عديدة، منها عدم قدرتهم على التأقلم مع المجتمع الجديد والذي بختلف كثيرا عن بلدهم الأم، وهو ما يعاني منه أحمد أيضا على حد اعتبار والدته التي تقول "كل شيء مختلف هنا، بدءا من المنزل الذي نعيشه فيه حاليا وصولا إلى المدارس".
تعرف أولمان هذه المشكلات، فهي كانت لاجئة أيضا. عندما كانت في الخامسة من عمرها هربت مع والديها من روسيا إلى ألمانيا، وهي تحاول بذل أقصى ما لديها لمساعدة التلاميذ الجدد على تخطي هذه المرحلة الصعبة، وتؤكد على أهمية وجود أخصائيين نفسيين لمساعدة التلاميذ الجدد. وترى أولمان أن للأهل دور مهم في هذه المهمة أيضا: "ينبغي على الأهالي عدم زيادة الضغط على أولادهم بدفعهم إلى الدراسة في مجالات تعجبهم، بل ينبغي مراعاة قدراتهم وخاصة أن نظام التعليم في ألمانيا متنوع جدا ويتيح للجميع إمكانية متابعة دراسته".
طريقة الوصول
ربما يكون إتقان اللغة الألمانية في زمن قياسي ليس سهلا، لكن أولمان توافق المثل القائل "من سار على الدرب وصل"، فهي عندما وصلت إلى ألمانيا وبدأت تعلم اللغة أصيبت بيأس شديد "أنا الآن أدرس اللغة الألمانية، وهو أمر لم أكن أتخيله يوما ما".
وأن يتاح لأحمد دراسة الطب، هو ليس بالمستحيل أيضا، على حد اعتبار هيلزيه مدير المدرسة، مضيفا بالقول "في المدرسة الثانوية المهنية سيتم إعداده عمليا لمتابعة الدراسة في هذا المجال، ونتائجه في نهاية المدرسة هي التي ستحدد، ما إذا كان أحمد قادر على دراسة الطب حقا".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل