خلافة الإنسان في الأرض
قال تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة"، خلق الله تعالى الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه وأسجد له ملائكته وسخر له ما في سماواته وأرضه وخصه بنعمة العقل والعلم والبيان وجعله متفوقًا على الملائكة الكرام، وخلق من أجله الحياة والجنان وأراد بذلك أن يكون خليفة له في أرضه، فما هو الاستخلاف؟ وما الأمانة التي حملها الإنسان وكان ظالمًا لنفسه جهولا بربه؟ وهل أدى الإنسان أمانة الاستخلاف؟
هذه التساؤلات هي محور هذا المقال، أولا معنى خلافة الإنسان في الأرض، الخلافة هي الإنابة الكاملة من الله تعالى عنه سبحانه في إدارة الأرض وعمارتها، فالخليفة هو القائم بأمر الله والمنوب منه عنه في الأرض لعمارتها وإصلاحها والحفاظ على مظاهر الحياة فيها، قال تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة"، ودور الخلافة يتلخص في ثلاث مهام وهي، عمارة الأرض وإصلاحها كما ذكرنا، وإقامة العدل الإلهي في ربوعها، ونشر الرحمة الإلهية بين عوالم الخلق، فيها..
هذا هو دور الخليفة وهذه هي مهمته في الأرض، فهل حقق الإنسان هذه المهمة وأدى دوره فيها كما أراده الله، في الحقيقة لم يحقق الخلافة في الأرض ولم يؤد دوره الحقيقي بنجاح إلا القلة القليلة من بني آدم من البشر وهم السادة الأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحين عليهم السلام، أما الكثرة والغالبية من البشر فشلوا تماما في أداء أمانة الاستخلاف ودور الخلافة بإفسادهم في الأرض وظلمهم وجورهم واعتدائهم على الخلق ومظاهر الحياة، وما كان ذلك إلا لابتعادهم عن منهج الله وشريعة الغراء ذلك المنهج الذي لم يهمل أي شأن من شئون الحياة ولا أي شأن من شئون الإنسان، وهو منهج حياة وبالأخذ والعمل به تقام الخلافة كما أرادها الله..
وتؤدي الأمانة بإقامتها والعمل بها فهي مصدر التوجيه والهداية والإرشاد وهي التي حملت بين طياتها الرحمة والعدل والعمارة وإحياء الحياة وإثراءها، لقد منح الله تعالى الإنسان العقل وفتح له باب المعرفه ورزقه الفهم والبيان وخصه بالعلم، وأنزل عليه مناهج ورسالات سماوية بها تنظم حركته في الحياة وبها يحيي ويسعد بالحياة وتحيا الحياة وتسعد به، لكن الكثيرون من البشر تركوا المنهج وألقوا به جانبا وجعلوه من وراء ظهورهم وانقادوا خلف الأنفس والأهواء والشهوات وحب الدنيا واستمعوا إلى شياطينهم وانجرفوا مع تيارات فتن الدنيا واغتروا بها واطمأنوا وركنوا إليها فضاعت الأمانة وعاثوا في الأرض فسادا..
هذا وعندما ننظر إلى واقع البشر الأليم المؤلم المرير السيئ والمحزن وما هم عليه من حال نرى مدى ظلم الإنسان لنفسه ولأخيه الإنسان ونرى امتداد هذا الظلم والجور إلى كل مظاهر الحياة لم يسلم منه إنسان ولا حيوان ولا طير ولا أرض، ولا الهواء الذي نتنفسه، لقد ظهر الفساد في البر والبحر كما قال الله، وأصبحنا نرى آثار هذا الفساد في ربوع الأرض، حرمات وأعراض تنتهك ودماء تسفك وأناس تشرد ومقدسات تهان، ولا احترام لآدمية الإنسان..
وللأسف وبكل أسف ضاعت الأمانة بعدما ضيع البشر أمانة ونعمة العقل الذي منحهم الله إياها ليعمروا وينبغوا ويبتكروا ويصلحوا ويبنوا ويشيدوا ويقيموا حضارة إنسانية فيها إثراء للحياة، فبدلا من ذلك هدموا وخربوا وأفسدوا ودمروا وقضوا على مظاهر الحياة وضاعت نعمة الأمن والإحساس بالأمان، وسبحان الله ومن العجبب مع كل هذا الدمار والفساد والخراب يرون أنهم هم المصلحون، وصدق الله تعالى إذا قال: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون"، وفي الختام لا إقامة لخلافة الله تعالى في الأرض إلا بالرجوع إلى منهج الله بفهم صحيح مستنير وتطبيقه على أنفسها بسماحته ووسطيته واعتداله وإقامة حدوده وتعاليمه.