رئيس التحرير
عصام كامل

ثلاثة أشياء ستجعلنا أضحوكة العالم في «جودة التعليم»


ثلاث ملاحظات من أغرب ما يكون فيما يخص اعتماد المؤسسات التعليمية هذه الأيام، وهذه الملاحظات تؤكد أن سير الأمور بهذه الطريقة سيجعلنا أضحوكة العالم في مجال جودة التعليم إن لم تؤخذ في الاعتبار لإصلاح ما يمكن إصلاحه.


الأولى: منذ إنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد وعلى مدى أكثر من عشر سنوات على إنشائها لم تعتمد الهيئة إلا ما يقرب من 3 آلاف مدرسة من إجمالي 53 ألف مدرسة بنسبة لا يمكن ذكرها بالرغم من إعلان برنامج الحكومة اعتماد 9 آلاف مدرسة سنويا على أن يتم اعتماد جميع المدارس خلال خمس سنوات، وهذا بالطبع ليس مسئولية الهيئة وحدها ولكن مسئولية الوزارة أيضًا.

ففي نفس توقيت إعلان برنامج الحكومة أعلنت الهيئة عن تقدم عدد قليل جدا من المدارس للهيئة ومن الواقعي أنها لن تعتمد كل العدد المقدم، ما يعني أن هناك تناقضا تاما بين ما تم الإعلان عنه في برنامج الحكومة وبين الواقع الفعلي.

وردا على أن الهيئة ليست مسئولة عن تقدم المدارس ولكنها مسئولية الوزارة فقط، فالهيئة أيضًا مسئولة مسئولية كبيرة على تنفيذ برنامج الحكومة من خلال دورها في نشر ثقافة الجودة بين تلك المؤسسات التعليمية والدعم الفني المستمر لقيادات المدارس وفرق الجودة بالإدارات الشيء الذي لم ولن يحدث.

فلا يقتصر دور الهيئة فقط على مجرد الاعتماد ولكن دورها المساعدة في إحداث تقييم ذاتي حقيقي لتلك المؤسسات وتقديم الدعم الفني اللازم لها من خلال تدريبات أو أنشطة أو ندوات أو حتى كتابة تقارير عن وضع المدارس الراهن والذي يتسنى للوزارة أن تعكف عليه.

ولكن ما يحدث أن الهيئة تعتبر نفسها مستقلة ليس فقط عن الوزارة ولكن مستقلة أيضًا عن الحكومة وباعتبار أيضا أن برنامج الحكومة المطالبة بتنفيذه لا يسرى على الهيئة رغم أن رئيس الوزراء هو الرئيس المباشر للهيئة وتقع تحت مسئوليته لذا فهي مسئولة مسئولية تامة أمام رئيس الحكومة في تنفيذ برنامجه الذي سيحاسب عليه أمام القيادة السياسية وأمام الرأي العام والبرلمان.

أما الثانية: فهى مثيرة للدهشة والجنون فعلى سبيل المثال فإن الهيئة عندما تعتمد مدرسة معينة وضعت معايير وممارسات ملزمة "للمعلم" لكى يصبح معتمدًا كأحد أهم شروط منح المدرسة شهادة الاعتماد، هذه المعايير والممارسات تختلف تمامًا عن التي تضعها الأكاديمية المهنية للمعلمين لمنح نفس "المعلم" شهادة صلاحية مزاولة المهنة أو الترقي.. وبالطبع ما تم تدريسه للمعلم أثناء مرحلة الدراسة الجامعية يختلف تمامًا أيضًا عن هذا وذاك.

وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي قد صرح في بداية توليه المسئولية بأنه يحتاج لمعلمين أكفاء ولا مكان لأي معلم غير كفء خاصة أننا سندخل مرحلة المتعة في التعليم.. فهنا السؤال الذي يطرح نفسه بأي معايير يلتزم "المعلم" ليكون معلم صالح في المنظومة التعليمية.. هل يلتزم بمعايير الأكاديمية؟ أم يلتزم بمعايير هيئة الجودة؟ أم يلتزم بما تم تدريسه في كليات التربية؟ وكل مؤسسة من تلك المؤسسات لها معاييرها وكل مؤسسة تطالب "المعلم" بالالتزام بمعاييرها سواء كانت هيئة الجودة أو أكاديمية المعلم منتهية بإمكانية طرده من جنة سعادة معالى الوزير.

كنت أتمنى إعادة النظر في مثل هذه الأمور التي تجعل المعلمين يتساءلون ليس فقط المعلمون بل العالم كله سيسخر من ما يحدث الآن من تناقض وتضارب بين أكبر مؤسستين تمنح "المعلم" الاعتماد ألا وهى هيئة جودة التعليم وأكاديمية المعلم، فضلا عن ما يقدم في كليات التربية، فلابد من الجلوس على دائرة مستديرة وتوحيد ومراجعة معايير الاعتماد الخاصة "بمجال المعلم" سواء عند اعتماده من الهيئة أو اعتماده من أكاديمية المعلم ويزداد سقف الحلم لو توحدت أيضًا ما يقدم له أثناء الدراسة في كليات التربية. 

الثالثة والأخيرة: من مبدأ أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن الإصلاح أو الفساد دائما يبدأ من الرأس فإن جودة التعليم في زمن السعادة غير مدرجة تماما في أحلام معالى الوزير ولكن موجودة فقط في دستور 2014 وموجودة أيضًا في الخطة الاستراتيجية وفى كل خطط الوزارات المتعاقبة وفى خطة الدولة 2020/ 2030.. ولكن إن كانت هيئة الجودة أو جودة التعليم بوجه عام لها مكان في زمن السعادة.. فأليس من الحكمة أن يكون هناك شرط حاكم لاختيار القيادات في الوزارة والمديريات التعليمية والإدارات بل المدارس هو "أن يكون القيادة لديه الحد الأدنى من ثقافة الجودة".. أو يكون حاصلا على دورات وشهادات هيئة الجودة..

فكيف نطالب باعتماد المدارس وهناك قيادات لا تعرف الحد الأدنى من معايير الجودة.. ففاقد الشيء لا يعطيه يا سادة والإصلاح أو الفساد يبدأ دائمًا من رأس الهرم.
Tarek_yas64@yahoo.com
الجريدة الرسمية