رئيس التحرير
عصام كامل

قاعة العرش.. وسخرية القدر


عرش مصر الكائن منذ أن كانت مصر يتمايز عن باقى عروش الأمم بأنه المهرج الكبير والفيلسوف الساخر، جامع المتناقضات، ذو الوجوه الكثيرة، المتأرجح بين الرعب والهوان تارة، وبين جنة العظمة ونعيم الملك تارة أخرى.


فقد قدم لنا وللبشرية بوجه عام الحاكم الذى جلس أطول فترة حكم فى التاريخ، وهو الفرعون بيبى الثانى ٩٤ عاما، جالسا على أعرق عروش الأرض ولا يوجد من يضاهيه، وكذلك أقصر فترة حكم فى التاريخ، وهى يوم واحد فقط لاغير كانت من نصيب البائس خاير بك المملوكى.

إنه لعرش غريب، فقد أعطى سلطانه لجارية مثل شجر الدر وجعلها تلعب دورا فاصلا فى مصير ومستقبل مصر فدخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وكذلك فعلها مع الملكة العظيمة أحوتب الأولى الملقبة بالعجوزة أعظم ملكات مصر التى قامت بإعادة بناء الجيش المصرى من جديد، ونجحت فى استرداد مكانة مصر بين حضارات العالم بجدارة متناهية، ولا نزال نذكرها إلى يومنا هذا كلما ذهبنا إلى منطقة العجوزة.

ثم نجده يبدع فيقدم لنا المختل عقليا مثل الحاكم بأمر الله والذى فعل ما لم يفعله من قبله ولا بعده، فقد أرهق مصر والمصريين بكثرة قرارته العجيبة والمتناقضة والتى وصلت إلى حد أن منع النساء من النزول فى الشوارع، وتجسس على المصريين فى مخادعهم، وسلمهم للوحوش الضارية، وحرق مصر القديمة كلها، وأخذ يشاهد ألسنة اللهب من شرفة قصره كما لو كان نيرون قد بعث من جديد، ثم قام بإعدام كل المخلصين له ولم يرحم أحدا، ٢٥ عاما من العذاب والهوان وفجأة ودون سابق إنذار خرج ولم يعد، ولا أحد يعرف عن أمره شيئا إلى يومنا هذا.

وها هو ذو القلب المتحجر الخشن الذى لا يعرف الرحمة بهاء الدين ( قراقوش) الذى طغى وسحق كرامة المصريين رغبه منه فى إرضاء مولاه، فنال جزاء الشعب وخلد اسمه فى ذاكرتنا حتى اليوم مصحوبا بالتجبر والديكتاتورية، ثم نرى العجب من عرش مصر مع العبد الأسود البسيط الذى أتيحت له الفرصة كى يحكم مصر فى فترة من أصعب الفترات، فنكتشف أننا أمام رجل عظيم وذو عقل راجح وتدبير حكيم، فدخل قلوب المصريين وأطلق عليه لقب (الأستاذ) إنه كافور الإخشيدى.

وفجأة نرى الهارب من العرش المستنصر بالله الفاطمى الذى اختبأ فى جامع عمرو بن العاص، وعاد إلى العرش بالقوة وهو فى انسحاق تام، ويأتى دائما المهرج الكبير بأروع فقراته حينما يبقى خاويا بلا حاكم لفترات من الزمن تجلت بوضوح بعد خروج نابليون من مصر، حينما تسمر الشعب المصرى أمام عرش خاوٍ بلا حاكم، ولم يتجرأ أحد من المصريين أن يتقدم ويجلس فى حضرة الفيلسوف الساخر، حتى جاء الدور على ولى النعم محمد على باشا، فأخذ مصر إلى المجد القديم وأعاد لها العظمة والصولجان، ولكن بعد أن سفك من الدماء وقهر من البشر ما لا يعلمه إلا خالقه، أما فى وقتنا الحاضر وتحديدا اليوم، فما زال الفيلسوف يبدع، وما زال العرش.. خاويا!!
الجريدة الرسمية