رئيس التحرير
عصام كامل

رؤية أذربيجانية


أثارت زيارتى لإقليم "ناجورنو كاراباخ" المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمنيا، والتي تناولتها في العدد الماضى من "فيتو"، جدلا واسعا وردود أفعال كبيرة، رغم أنني كتبت بدقة انطباعات حول الإقليم وسكانه وجذور المشكلة بين البلدين الجارين، حيث استقيت موقفى من وطنى الذي يحافظ على ذات المسافة بين البلدين المتصارعين على الإقليم، وتربطنا علاقات وطيدة بأذربيجان وأخرى مماثلة بدولة أرمنيا.


تشير الوقائع التاريخية إلى أن البلدين أرمنيا وأذربيجان، قد دفعتا ثمن موقعهما الجغرافى النادر، والمهم في تاريخ الحضارات المتعاقبة حيث دفعت الشعوب أثمانا باهظة لهذا الموقع طوال تاريخهما، ربما قبل ظهور الإمبراطورية العثمانية وأوروبا القديمة والإمبراطورية الفارسية ثم الروسية، وأخيرا الأمريكية ثم ظهور نموذج الصراع الحدودي الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتى، وما فعله من نقل جماعات بشرية من دول إلى أخرى لخلق صراعات جديدة في حال سقوطه، وهو ما حدث بالفعل.

لا تزال شعوب المنطقة تعيش حالة من الاستقرار القلق، بسبب تداخل الحدود والعبث بها عندما انضوت تحت عباءة الاتحاد السوفييتى، ولا يزال تجار السلاح هم وقود المعارك، ولا تزال المفاوضات بين كافة الأطراف تحركها قوى خارج الإقليم أو على مقربة منه أو صاحبة مصلحة في عدم استقراره.

زارنى الأسبوع الماضى وعقب النشر الدبلوماسى الأذربيجانى الأستاذ عزاز عباس المستشار السياسي لسفارة أذربيجان بالقاهرة، وعباس واحد من الدبلوماسيين الذين عملوا لفترات طويلة بالدول العربية.. يتقن اللغة العربية بطلاقة.. هادئ الطباع.. يبدو واثقا من نفسه وهو يطرح قضيته.. لم يبد أية انفعالات وهو يتحدث عن جذور الصراع.. يعبر عن جيرانه بلغة دبلوماسية عميقة، يعرف قدر ما ينطق به.. يؤمن بلغة الحوار سبيلا للوصول إلى نقاط مشتركة.

كانت بداية حديثه أن كلمة كاراباخ كلمة آذرية وليست روسية كما كتبت في مقالى السابق، وأنها تعنى فعلا الحديقة السوداء، واستطرد مؤكدا أن التواصل بين أرمنيا وأذربيجان لم ينقطع يوما رغم الصراع ورغم احتلال أرمنيا لمناطق كبيرة من بلاده - على حد قوله، وقال إن لقاءات بين رئيسي البلدين تتكرر كثيرا في محافل دولية حيث يدور نقاش دائم بين زعماء البلدين حول كراباخ المحتل، باعتباره جيبا داخل أذربيجان وسكانه كانوا قبل الصراع في معظمهم آذريون وليسوا أرمن.

قال عباس "إن أرقام المهجرين التي ذكرتها في مقالك غير دقيقة، حيث عانى الآذريون من ويلات الحرب التي خاضها الأرمن ودعمتها أرمنيا بالسلاح، حيث أقمنا معسكرات إيواء لهم باعتبارهم لاجئين خرجوا من ديارهم وطردوا بقوة السلاح ووصلت أعدادهم إلى أكثر من مليون مواطن آذرى هاجروا بفعل الحرب والصراع المسلح إلى المنطقة الحدودية وعاشوا حياة صعبة بسبب هذه الحرب التي لم نخطط لها ولم نتوقعها".

وتحدث عباس عن أواصر الترابط وانصهار العائلات الأرمنية والأذرية أيام الاتحاد السوفييتي، حيث حدثت زيجات كثيرة بين عائلات من الطرفين وعاشا جنبا إلى جنب دون صراع يذكر، ولم يكن متوقعا أن يحدث ما حدث، وقال إن بلاده تشترى السلاح كتصرف وقائى لمواجهة الخطر وردا على تسلح الطرف الآخر واعتداءاته المتكررة، وأضاف: إننا لا نمتلك السلاح من أجل العدوان وإنما نمتلكه لأن الطرف الثانى فرض علينا الصراع.

وتناول عباس علاقات بلاده بالقاهرة، مؤكدا أن مصر بتاريخها وحضارتها وقيمها الإنسانية كانت سببا رئيسيا في إضاءة جنبات العالم بما قدمته من إسهامات حضارية، وأن العلاقات المصرية الآذرية تاريخية وعميقة ومهمة والمصالح المشتركة والقواسم بيننا أكثر من أن تعد أو تحصى، وأن بلاده حريصة على تطوير هذه العلاقات واستمرارها والتواصل الدائم مع تجربتها الرائدة في محيطها الإقليمي ودورها الدولي في قضايا محاربة الإرهاب والعمل من أجل بناء جسور التواصل الإنسانى بين الشعوب.

وقال عباس: إن بلاده عرضت على إقليم كاراباخ حكما ذاتيا، إلا أن البعض تحدث عن فكرة الانفصال وهي فكرة مرفوضة تماما، خاصة وأن الحديث تطور إلى محاولة ضم الإقليم إلى أرمنيا، وهو أمر غريب حيث لا يمكن أن تكون في المنطقة دولتان أرمنيتين، فالإقليم يقع داخل أراضينا ولا يمكن تصور أن يكون جيبا داخلنا ويصبح دولة مستقلة، منوها إلى أن الحوار هو الحل للوصول إلى حلول تؤدى إلى سلام بيننا كجيران كما تحدث عن ستة أقاليم محتلة منذ الحرب تم تهجير سكانها بالكامل.

أبدى السيد عزاز عباس المستشار السياسي لسفارة أذربيجان بالقاهرة تفهما لدقة ما تناولته في رحلتى إلى الإقليم، فلسنا أصحاب مصلحة في تأجيج الصراع مع إيماننا المطلق بحق كل الأطراف في طرح وجهات نظرهم على صفحات فيتو باعتبارها صحيفة ليبرالية تؤمن بالحوار وطرح كافة وجهات النظر في كل ما تتناوله سواء كان محليا أو دوليا خاصة وأن أية مؤسسة إعلامية مصرية تنطلق وفق أجندة بلادها ونسعى لتوطيد أواصر العلاقات بين الشعوب دون الجور على أحد أو تبنى وجهة نظر دون الأخرى.
الجريدة الرسمية