"أخونة" الفساد.. و"مبركة" جرائم النظام
حينما يتحدث الإخوان عن الفساد ينسبون "جرائمه" إلى مبارك ونظامه، وحينما يقررون إدارة الدولة على طريقتهم يتبعون ذات أساليبه باستخدام نفس عناصرها وقياداتها، ليضمنوا أقصى انتفاع من بقاء الأوضاع على ما هى عليه.
سبقنى لمصطلح "أخونة الفساد" القيادى العمالى كمال أبو عيطة فى 21 يناير الماضى، متهما الجماعة بإدخال رجال أعمالها فى صفقات الشركات المستوردة للقمح الفاسد منذ عهد مبارك، وهو الإجراء الذى لا أستبعد معه قيام مصالحات حكومتهم مع أرباب قضايا الفساد الكبرى لقاء امتيازات لبيزنس الجماعة، فلا منطق تقيم به حجة على إعفاء هؤلاء من عقوبات لقاء سدادهم ما يرضون عنه من غرامات أو "علاوات" وغلق جهات التحقيق ملفاتهم.
خطوات الحكومة التى امتدت لتسوية ملف الأموال والموجودات المهربة للخارج، أتت ثمارها تماما لحساب مبارك ورجاله، ففى حين وصل تونس قبل أيام أول شيك بقيمة 818 مليون دولار من أموال شعبها المنهوبة، لم تحصل مصر على سنت واحد من ثروات "حرام" تشكلت بطرق غير مشروعة، ولم تثمر جهود لجان الاسترداد ضعيفة الأداء ومعلومات الدول التى أبدت حكوماتها مرونة فى الإفصاح عن موجودات مصرية لديها، عن تحديد حسابات تفوق قيمتها مليار دولار فقط بسبع دول وجزرها.
فى مقابلة خاصة أجريتها مع المستشار الشاب كامل جرجس، مدير مكتب التعاون الدولى بمكتب النائب العام، علمت أن جهدا فرديا كان وراء التعامل الذكى "مؤخرا" مع حكم الفيدرالية السويسرية بعدم التعاون مع الحكومة المصرية فى استرداد موجودات شعبها هناك، بعد أن قام "ممثل النيابة" بتصدير مقترح مصرى بصياغة مشروع قانون سويسرى يمكن من خلاله تجميد أرصدة تصل إلى 700 مليون فرنك سويسرى مبدئيا دون الحاجة لإجراءات قضائية تلتزم بها الحكومة المصرية طبقا لتعهداتها الواردة فى اتفاقيتى مكافحة الفساد وغسيل الأموال.
المقترح الذى تأخر كثيرا لإبقاء ملف "الاسترداد" بأيدى غير ذوى الخبرات الفنية، سبقه إجراء سويسرى "ذاتى" تجاه حقوق شعب هايتى، باستصدار قانون فى 2011 سمح له باستعادة أرصدة تتبع رئيسها السابق "فرانسوا دوفالييه"، يحمل اسمه، إلا أن مقترح "جرجس" الذى أراد به من الشعب السويسرى الحاكم طبقا للمادة الثانية من دستوره، أن تضع الدولة صاحبة التاريخ العريق فى فرض السرية على حساباتها البنكية، قواعد معممة لتعاونها الدولى مع شعوب البلدان المنهوبة ثرواتها، بقانون يحمل اسم "مبارك" كدلالة على إنجاز شعب مهمته فى استعادة أمواله من ديكتاتور مخلوع بثورة على فساد نظامه.
ولأن الأفكار والمبادرات الفعالة تولد فى الأزمات، لم يفقد المستشار الشاب الأمل فى حديثه معى عن إمكانية استعادة الكثير من الموجودات المهربة خلال سنوات بعيدة، إذا ما تبنت الحكومة رؤية ومنهجا واضحين لإنجاز هذا الملف مع تباين تحفظات دول شتى على الاتفاقيات، وضرورة إحراج حكوماتها أمام الرأى العام العالمى، عبر التعامل مع نظامها القانونى الداخلى ودراسة تشريعات كل دولة على حدة وترجمتها، وصولا إلى كسب موقف لها يماثل الموقف السويسرى المرتقب، وإلا ظلت "عطايا" حكومات تلك البلدان لنا مرهونة بنظرة دونية تفترض فى مصر غياب مؤسساتها وتطبق مفهوم "الدولة الفاشلة" على حالتها مثل هايتى "دوفالييه".
"الدولة الفاشلة" حالة تصنعها صراحة سياسات حكومة مهمومة بأخونة الفساد وقواه والتصالح مع اللصوص بقوانينهم، والسعى لاستقطاب 5.6 مليون موظف بأجهزة الدولة، حصاد فساد بعضهم 70 ألف جريمة سنويا طبقا لتقديرات "حكومية"، وتقويض القضاء وسلطاته واغتيال الحريات والحقوق بالتشريع والدستور، واستخدام إرث المخلوع فى تأديب وتأنيب من يكشفون "ذقن" الفساد الجديد، ومن يفضحون إصرار مرتكبيه على إباحة جرائمهم بوصفها "مباركية" الأصل "منطقية" التكرار.