رئيس التحرير
عصام كامل

العدل الاجتماعي والوظائف العليا لأبناء البسطاء!


"جناب السفير" برنامج متميز جدا يقدمه الأستاذ أحمد الشاذلي على إذاعة البرنامح العام، ضيوفه من السفراء الحاليين أو السابقين، وعدد كبير منهم إن لم يكن أغلبهم يؤكدون بفخر شديد أنهم من ابناء الطبقة الوسطي، ومنهم من يفتخر أنه من أسرة بسيطة، ومع ذلك أدوا في خدمة الدبلوماسية المصرية الأداء الأمثل، ولم تطل سمعتهم أي شائبة وحسب، وإنما كانوا نموذجا ومثالا في السمعة الحسنة والأداء الرفيع حتى أن أدوار كثيرين منهم في الفكر والكتابة والتأليف تشكل أدلة حية على أن معيار اختيارهم كان صحيحا، وأن صقلهم داخل معاهد خارجيتنا العريقة أضاف إليهم وقدمهم كأفضل ممثلين لبلدنا العريق!


أغلب هؤلاء التحقوا بوظائفهم في فترة العدل الاجتماعي الذي أقرته ثورة يوليو، ولذلك يذكرها هؤلاء بكل خير.. وهي التي أسست لمجتمع تكافؤ الفرص في كل شيء. فالتفوق والسمعة الجيدة أساس الصعود الاجتماعي والأسبقية المطلقة أساس الحصول-وقتها وحتى عهد قريب-على الهواتف المنزلية أو السيارات أو الثلاجات التي تتم بالحجز لأنها من المصانع المصرية، وأغلب هؤلاء السفراء لو كانوا عوملوا بمنطق أنهم ليسوا من أبناء الطبقات الكبيرة وأن انحرافاتهم واردة، لكنا حرمنا مصر من أشرف وأطهر وأرقي من مثلوها طوال خمسين عاما مضت!

وظل الأمر كذلك - بالمعايير السابقة- حتى بدأت تظهر النتائج الاجتماعية وليس الاقتصادية فقط للانفتاح الاقتصادي التي أنهت مجتمع الفوارق الطبقية البسيطة، وتأسس مجتمع الفوارق الكبيرة بل والرهيبة بين الطبقات، وبدأت طبقات تحتكر أشياء كثيرة منها عدد من الوظائف، رأت أنها أحق بها، واستطال ذلك حتى طال وظائف أخرى كانت في متناول الجميع كالعمل في البترول والكهرباء والبنوك، ثم ضرب الفساد الشامل في الثلاثين عاما الماضية طرق تولي هذه الوظائف أيضا فصارت بما نعرفه وتعرفونه!

الآن.. ميزان العدل المختل المتوارث يجب أن ينتهي.. ومن الأمانة أن نشير إلى دور الرقابة الإدارية في محاربة المحسوبية، والتي تتم عن طريق الرشوة تحديدا، حتى إن رجالها في السويس ألقوا القبض على عصابة توظف الناس بالأموال في إحدي شركات البترول بغض النظر عن التفوق أو الشهادة أو الأحقية.. ومع كل التقدير ذلك إلا أنه لا يكفي، فالمسألة أكبر من مجرد انحراف هنا أو هناك وتحولت إلى ما يشبه العرف، ولذا نبقي -ورغم حجم ما جري من تغييرات- في انتظار صياغة مجتمعية جديدة تنهي تراكمات أربعين عاما، وتعيد معايير العدل والحق والمنطق في بعض الوظائف العليا ليس لإفساح مساحة لأبناء البسطاء لأنهم بسطاء، وإنما لأنهم متفوقون وسمعتهم طيبة في الأصل فالعدل القيمة الوحيدة التي إذا ضاعت ضاع معها كل شيء !
الجريدة الرسمية