هكذا ضاعت ثروة المصريين وممتلكاتهم! (10)
ضمن خطة الدولة عام 1959 لتوزيع مصانع مصر على محافظاتها لخلق فرص عمل في كل مكان وقبل حتى صدور القوانين الاشتراكية التي صدرت عام 1961 تم تأسيس مصنع غزل دمياط، بينما تأسست مصانع أخرى للغزل في محافظات أخرى أشهرها سوهاج والفيوم وذلك توظيفًا لقدرات مصر الزراعية وخصوصا القطن!
انطلق المصنع برأسمال وقتها بلغ خمسين مليونا من الجنيهات المصرية أي في حدود 120 مليونا من الدولارات وعلى مساحة تقدر بـــ 150 فدانا، وبعدد عمال بلغ 7000 عامل موزعين على 3 ورديات ليعمل المصنع بكامل طاقته، يساعده أسطول كبير من سيارات النقل وكذلك سيارات نقل العمال، وارتبط المصنع بعقود واتفاقيات تصدير لعدد كبير من الدول العربية والأفريقية والأوروبية!
ظل المصنع على حاله منذ تأسيسه حتى بدأ الاهتمام بالصناعة المصرية يتراجع منذ السبعينيات لمصلحة قوانين الانفتاح، التي فتحت الباب أصلا للاستيراد ومنافسة المنتج المحلي، إلا أن مخاطر ذلك ظهرت في الثمانينيات عندما تراجعت الورديات إلى وردية واحدة، فانخفض التصدير وتراجعت إيرادات المصنع واضطرت الإدارة للاقتراض من البنوك لتحديث الماكينات وشراء الخامات، فلعبت الديون وفوائدها وتراكمها إلى حجز البنوك على أرض المصنع ومنها 30 فدانا ثم قطعة أرض تزيد على 2000 متر للوفاء بالديون، حتى رجحت بعض المصادر أن الإهمال كان متعمدا لدخول المصنع إلى الخصخصة لكن كان إهمال المصنع يسبق بسنوات برنامج الخصخصة!
وعند عرض المصنع للخصخصة كان لعمال غزل دمياط موقف يختلف عن باقي المصانع التي بيعت في الخصخصة إذ قاموا بعدد من الاعتصامات والاحتجاجات التي أوقفت البيع، لكن ظل تردي أحوال المصنع والعمال بغير توقف، حتى تقلصت مساحة المصنع ووصلت إلى أقل من 40 فدانا وهبط عدد العمال إلى 2560 عاملا فقط يعانون من صرف رواتبهم وتأخرها في أحيان كثيرة، ليتحول أحد قلاع الصناعة المصرية في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى مأساة كبرى!
اليوم ونحن نستكمل هذه الحلقات بعد السلسة السابقة التي تناولت مصانع "غزل شبين" و"النصر للتليفزيون" و"تليمصر" و"الحديد والصلب" و"راكتا للورق" و"بسكو مصر" و"طنطا للزيوت والكتان" و"النيل لحليج الأقطان" وغيرها وبما يخرس أو ينبغي أن يخرس كل من يرددون "ولا يوم من أيامك" ويتهجمون على الأوضاع اليوم إذ كانت "أيامه" كوارث تقف وراء ما نعانيه اليوم.. وإلى حلقة جديدة!