رئيس التحرير
عصام كامل

غفوة على نهر الراين


لم تكن هناك مبانٍ ملاصقة لنهر الراين، ولا أندية يحصل عليها ضباط شرطة وصحفيون وقضاة وغيرهم. فهنا فى ألمانيا هذه المساحات من حق كل الناس، سواءً كان غنيًا أو فقيرًا. تمشيت مع أصدقائى وتنشقنا هواءً نظيفًا ومنا من نام قليلًا. فهذه المجتمعات تحارب التمييز بقدر ما تستطيع، والحقيقة أنهم حققوا إنجازًا ضخمًا. نهر الراين يربط بين أربع دول أوروبية.


فالمنبع فى سويسرا ويمر بألمانيا وهولندا وإيطاليا ودولة متناهية الصغر اسمها ليختنشتاين، وهذه أول مرة أسمع عنها. النهر فى هذه الدول مقدس. بجواره وعلى طول امتداده مماشٍ لسير البشر والعجل. شاهدتها فى ألمانيا وفى تورينو بإيطاليا.

وفى كثير من هذه الدول يحرصون على حدائق وغابات واسعة على ضفاف النهر. والتنزه فيها بالطبع مجانًا ولا توجد فيها أى شىء بفلوس، سوى الآيس كريم والمشروبات والأطعمة الخفيفة إن أردت. شاهدت أسرًا وشبابًا وشابات أحضروا معهم شوايات لتجهيز الأطعمة، وأطفالًا وكبارًا يلهون بالدراجات. فهذه ملكيات عامة لا يحق لأحد احتكارها. وكما قال لى صديقى العزيز عادل لبيب، فالسويسريون نادمون لأنهم باعوا مساحات على بحيرة ليمان.


هنا من الصعب التمييز بين الغنى والفقير، فمعظم، إن لم تكن كل المجتمعات الأوروبية توفر العلاج والتعليم بالمجان. فصديقى الذى يعيش فى ألمانيا منذ أكثر من 18 عامًا يعالج فى المستشفى التى كان يعالج فيها الرئيس السابق مبارك. وفيه يعالج مواطنون عاديون ومسئولون ألمان كبار. فالهدف هو منع أى تمييز بين المواطنين فى الحد الأدنى للحياة. ولا تمييز فى الحصول على الفرص والوظائف.

فالكل سواسية فعلًا فى الحقوق والواجبات. وإذا حدث تمييز من أى نوع يمكنك مقاومته بكل الطرق السلمية دون أن تستأذن أحدًا. فهذه المجتمعات وبإرادة حديدية صنعت آليات مقاومة أى ظلم بطرق كثيرة سلمية.

فى المولات والشوارع ترى أناسًا مبتسمين أصحاء. فيهم المحجبة، بل والمنتقبة، وفيهم العاديات. كل الجنسيات والأعراق. كثيرا منهم حصل على الجنسية الألمانية وله كافة حقوق المواطن. الكل يعيش ولا أحد يسأل أحدًا عن ديانته أو أسرته.

فما زلت أذكر المصرى الذى قابلته فى مدينة ريمنى فى إيطاليا وسألته عما يتمناه لمصر بعد الثورة، فقال لى مطلبًا واحدًا لا غير، وهو أن يكون الوزير مثل الغفير. فهنا الحكومات أيًا كانت خلفيتها السياسية مشغولة فقط لا غير بسعادة البشر فى الدنيا. أما الآخرة فالمواطن وحده هو من يقرر الطريق الذى يسلكه إليها دون أى تدخل من أى بشر أيًا كان.
الجريدة الرسمية