رئيس التحرير
عصام كامل

آمنة ودود.. المرأة التى أمت الرجال 4


رأى الدكتور بدر الدين بن عبدالحسن أن ما فعلته آمنة ودود بإمامتها نفرا للرجال فى صلاة الجمعة،‏ يذكرنا بحديث النبى «صلى الله عليه وسلم» الذى حذرنا فيه من تتبع كل ما يرد إلينا من أهل الكتاب، فالتقليد الأعمى الذى درج عليه كثير من أبناء المسلمين حذّر منه الحديث الشريف، وهو حالة من الاتباع النفسى والفكرى الذى يأسر صاحبه ويجعله لا يرى الحق إلا كما يراه هؤلاء اليهود والنصارى. وخاصة فى وضعنا الحاضر الذى يشهد الغلبة الحضارية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية من قبل الغرب وسيطرته على مجريات أمور العالم بما فيه العالم الإسلامى.


وعبر عن هذه الحالة ابن خلدون -رحمه الله - مستشفا ذلك من حديث النبى -«صلى الله عليه وسلم»- ومن تجربته فى دراسة تقلبات الأمم والشعوب بقوله: «المغلوب مولع بتقليد الغالب»، وهى كما قلنا حالة مرضية نفسية وفكرية تؤثر على تصورات الناس وإدراكهم لحقائق الأشياء.

ولعل من أهم ما أثر على صاحبة المشهد المذكور سابقا وأدخلها جُحر الضب فى نيويورك هو هذه الحالة من الامتهان والذل النفسى والانبهار بمفردات الحياة الغربية، فكانت أن لجأت إلى التقليد الأعمى الذى جرها إليه «حركة الفيمينزم» أو الحركة النسوية الغربية ذات الامتداد فى التاريخ الحضارى الغربى الذى طالما اضطهد المرأة وحرمها من كثير مما منحه الله لها، سواء فى ذلك الحرمان الكنسى أو الحرمان الاجتماعى بفعل هيمنة المفاهيم الكنسية أو العلمانية التى تحتقر المرأة تارة وتنظر إليها بعين المتعة تارة أخرى.

وأضاف: فمنذ نشوء حركة «الفيمينزم» فى أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت مفاهيم حقوق المرأة ووجوب مساواتها بالرجل فى كل شىء؛ فى حق الملكية، والنشاط الاجتماعى، والممارسة السياسية، والتمثيل النيابى والانتخاب وغيرها، ووصل الأمر إلى ما يُعرف باللاهوت الأنثوى الذى حاول تأنيث كل العبارات المذكرة فى الإنجيل.

و«حركة الفيمينزم» فى جوهرها تعتبر الدين من وضع الرجال، وترى فيه محاولة رجالية لضمان سيطرة الرجال على مقاليد الأمور، ولذلك يستوى عند حركة الفيمينزم الاعتراض على أفكار البشر والاعتراض على شرائع الكتاب الحكيم، وأظن أن الكثير من المسلمات ممن دخل ـ جُحر الفيمينزم ـ نسى قوله تعالى «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا» - الأحزاب:36. وإلا كيف نفسر تبرمهم مما ثبت من شرائع وشعائر.

فإذا كان من حقهن منازعة الرجال فى حقوقهن والمطالبة بها، فإن من الشعائر التعبدية ما لا صلة له بحقوق الإنسان سواء أكان هذا الإنسان رجلا أو امرأة، وإنما هى حقوق رب الإنسان، الذى شرع من الشعائر ما هو أدرى بحكمتها.

ونختم قولنا بالتأكيد على أن الأمر لا يتعلق بالدفاع عن حق إمامة المرأة من منظور إيمانى، بقدر ما يتعلق بعمل يتفق مع رؤية الفيمينزم التى ترى أحقيّة المرأة فى منازعة الرجل ومغالبته فى كل جبهة، وفى كل موضع وإظهار تماثلها بل وتفوقها على الرجل فى كل شىء، ويستوى فى ذلك الأمر الدينى بالأمر الدنيوى.

ولو كان الأمر يتعلق بحق المرأة الشرعى فى الإمامة لكانت المشاركات فى تلك الصلاة الكنسية التزمن بالزى الشرعى وبآداب الصلاة، ولما كان كل واحد يجلس بقرب صويحبته ويلوك العلكة، وهو يستمع إلى تلك المؤذنة التى أسدلت شعرها، وبدأت تصيح بكلمات الآذان، وكأنها فى ناد للرقص الشعبى أو فى حفلة تدريب على الأداء الصوتى على مرأى من الناس، وفى موقع نجس لا تصح فيه الصلاة.

وتحدثت آمنة ودود فى مقابلة صحافية فى أمور شتى، شملت نشأتها الأولى وتحولها من المسيحية إلى الإسلام، وما تعتبره اجتهادات وآراء لها فى الإسلام، وقالت: منذ سنواتى الأولى وأنا مهتمة بالأفكار الدينية العلمية. فكان والدى ـ قسيسا منهجيا ـ نشأت كمسيحية مهتمة جدا بأفكار حول الله تعالى وحول الأخلاقيات والطبيعة البشرية والروحانية. لذلك كنت قبل التحول إلى الإسلام ـ بوذية ـ وأقمتُ فى أشرام ومارست التأمل، الذى ما زلت أمارسه يوميا، وعندما بلغتُ العشرين دخلت مسجدا فى منطقة قريبة من مكان إقامتى، أردتُ أن أعرف ما هو الإسلام، أنا مهتمة جدا بالعلاقة بين ما هو دنيوى مدنّس وما هو مقدّس.

وبالنسبة لى أعطانى الإسلام لغة، والواقع أن العربية كانت جزءا هاما منه، فأعطتنى لغة التوحيد، لغة علاقة الله الحميمة مع الخلق، ولكن كذلك السلطة للإتيان بالتناغم مع الأشياء المتنافرة، هذا بالنسبة لى هو قمة الاستسلام، ساعدنى الإسلام على فهم تجربتى مع المسيحية والبوذية، إنها رؤية لها منطقها، قد لا يكون هذا لكل إنسان، فلدى البعض تفهُّم أكثر بساطة للإسلام، ولكن هذا هو الأسلوب الذى عشتُ الإسلام من خلاله وأضافت:

عندما أعطيتُ فرصة لدراسة القليل عن الإسلام، تأثرتُ كثيرا، خاصة بالقرآن الكريم، بالنسبة لى فتح لى القرآن علاقة بين منطقى وتفسيرى وفهمى للعالم وحبى للطبيعة ورغبتى بها، وبالعالم وما بعد العالم، وبما لا يمكن رؤيته، وبهذا طورتُ عملى بالذات فى مجال القرآن الكريم والنوع الاجتماعى، وهذه هى المساحة التى أعتقد أنها نوع من الهبة لى لأنها شىء أحب أن أفعله.

من كتابى "ضد الإسلام"..الطبعة الثانية.
الجريدة الرسمية