المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية: الظروف الراهنة تستدعي إنشاء «مجلس أعلى للتنوير»
نربي أبناءنا على حب بلادنا والتضحية من أجلها
قال القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية، إن أقباط مصر يواجهون الإرهاب بالتسامح والمحبة وفقًا لتعاليم السيد المسيح، مشيرًا في حوار لـ "فيتو" إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية قدمت العشرات من الشهداء فداءً للوطن.. حليم اقترح في حوار مع فيتو تشكيل "مجلس أعلى للتنوير" جنبًا إلى جنب مع "المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب"؛ لتوضيح الشبهات للشباب ومنع وتأهيلهم تربويًا وأخلاقيًا ودينيًا.. وإلى نص الحوار:
> بداية حدثنا عن عيد القيامة ومغزى الاحتفال به؟
الاحتفال بعيد القيامة أهم الأعياد السيادية بالكنيسة، ومغزاه قدرة الإنسان على الانتقال من حالة الموت للحياة، وهي مناسبة تعطى الإنسان دفعة بأنه قادر على تغيير نفسه والتعاون مع مجتمعه وبناء بلده وليكون رسالة للإنسانية.
> كيف يتجاوز المصريون المحنة الأخيرة عقب الأعمال الإرهابية التي استهدفت كنيستي الإسكندرية وطنطا ؟
رغم الأحداث الأليمة التي أوجعت قلوب الكثيرين سواء أسر الشهداء والشارع القبطى خصوصًا والمصريين عمومًا، فإن كنيستنا الجميلة التي تحب الحياة لا تخاف ولا ترهب الموت؛ وهو أمر ليس وليد اللحظة فعلى مدى 20 قرنا من الزمان ظلت كنيستنا قائمة على الاستشهاد، نحن لا نسعى إليه ولكننا لا نخشاه حينما يأتى.
> رؤيتك لتعامل الأقباط مع أحداث التفجير تزامنًا مع الأعياد؟
الأقباط عادة يجتازون الأزمات والتأثيرات بسرعة مذهلة ولعل ازدحام الكنائس بالمصلين ليلة «عيد القيامة» سوف يعد ردًا قاطعًا؛ وسط توقع الكثيرين عقب التفجير بأن الشباب سوف يخاف ويعزف عن الذهاب للصلاة بالكنائس ولكن امتلأت الكنائس بالمصلين وخاصة الشباب، فإن الحوادث تزيد صلابة المسيحيين وتمسكهم بالكنيسة.
ويمكننى أن أقول إن تأثر الأقباط والتصاقهم بالكنيسة عقب الأحداث الإرهابية تجاوز تأثير ألف عظة «مش ممكن ألف عظة تخليهم يتمسكوا بكنيستهم بقدر ما يؤثر فيهم حادثة واحدة».
> تصريحات مصابى التفجيرات طلبوا خلالها بالغفران والعفو عن منفذى الحادث.. تفسيرك لهذا الأمر؟
الأقباط عمومًا وأسر الشهداء والمصابين يتجاوزون الأزمة بالمحبة والتسامح، ويتبعون تعاليم المسيح ولا يردون الإساءة بكراهية أو الشر بنظيره، والمسيح في موعظة على الجبل قال "اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِى السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ"، وجاء أيضًا في رسالة بولس الرسول لأهل رومية "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ".
> وكيف ترى دور الكنيسة والأزهر في لم الشمل والتطبيق العملى لمعنى الوحدة الوطنية ؟
أولًا.. تماسك الجبهة الداخلية للبلاد أمر في غاية الأهمية لتكون حائط صد أمام الإرهاب الذي يهدف لشق وحدة الصف المصرى وحالة التماسك، لذا فإن دور المؤسسات الدينية يكون مبنيًا على مواجهة الفكر المتطرف من خلال خطاب مستنير يرسخ القيمة الإنسانية النبيلة ويدعو لقبول الآخر وحب الحياة؛ والحل بدفعة قوية لتجديد خطاب دينى ملموس على الأرض يغير في الشارع المصري.
> ما الحل لمحاصرة الإرهاب وعدم تكرار حوادث استهداف الكنائس مجددا؟
محاصرة الإرهاب ودحره بطريقين لا ثالث لهما، يجب إجراؤهما على التوازى، الأول "الحل الأمني" وتحقيق عدالة ناجزة وقصاص من الجناة مما يعوق تصاعد وتيرة الإرهاب.. والحل الثانى "العمل التنويري"، ولا يكون مجرد كلام ومشاعر وانفعالات لحظية بينما يكون هناك رؤية متكاملة وشاملة سواء في مجال التربية والتعليم والثقافة والإعلام والأسرة، ويهدف العمل التنويرى إلى بث روح قبول الآخر في المجتمع المصرى من خلال أنشطة طلابية والعمل المجتمعى مما يشكل خطا منيعا للإرهاب.. أما الخطاب الإعلامي ويجب أن يصف المواطنين بـ«مصريين» دون تصنيف قبطى ومسلم، ولا يعمق مبدأ أنا والآخر، ويجب إعلاء الوحدة المصرية دون تمييز أو تصنيف.
> هل لديك تصور لكيان ينشر التنوير ويواجه الإرهاب؟
الحالة الراهنة تستدعى تدشين مجلس أعلى للتنوير على غرار المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، ويتألف من كل المؤسسات المصرية الأزهر والكنيسة والمؤسسات المعنية منها التربية والتعليم ويكون دور "مجلس التنوير" بمثابة فلتر لجهاز الإرسال من معلومات وأفكار للمواطنين لحجب كل ما هو خارج على القيم الإنسانية بما لا يعوق الحريات.
> حدثنا عن رد فعل البابا تواضروس الثاني عقب حادثى التفجير؟
البابا كّرس نفسه للصلاة بعد الأحداث ووضع الأمور كلها في يد الله الذي يرى ويسمع وننتظر رد الله الديان العادل، ولا ننتظر انتقامًا.
> وما تعليقك على زيارة الرئيس للكاتدرائية للتعزية ورد فعله على حادثى التفجير؟
زيارة الرئيس للكاتدرائية وتقديم التعازى تبرز تعامله كرئيس لكل المصريين دون تصنيف أو تطييف.
> وسط تكرار اعتداء متشددين على الكنائس وغياب مواد تجريم ذلك بقانون بناء الكنائس.. ما الحل في رأيك؟
حال وقوع أي اعتداء على كنيسة مرخصة يجب تفعيل القانون لأنه يعبر عن هيبة الدولة وسيادتها ومكانتها، ولو لم يرد بقانون بناء الكنائس مادة لتجريم الجناة والمعتدين، فإنه ليس لأحد أن ينصب نفسه حكمًا محل الدولة.
> ما سر استهداف الأقباط مع الجيش والشرطة على وجه الخصوص؟
الأقباط يحبون الوطن حتى النخاع وتعلموا مدرسة حب الوطن في الكنيسة التي تصلى من أجل الرئيس، وعلى مر العصور ضرب الأقباط أروع الأمثلة في الحفاظ على الدولة المصرية حتى في ظل العصور الوثنية، حافظ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين على القومية المصرية واللغة.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..