عودة العراق الشارد
زيارة سماحة السيد عمار الحكيم، رئيس التحالف الوطني العراقي، إلى مصر، واحدة من أهم الأحداث الأخيرة، حيث جاء الرجل إلى مصر في بداية جولة له بالمنطقة، حاملًا رسائل مهمة للغاية، أولها؛ النظر بعين الجدية إلى عروبة العراق، وثانيها؛ أن الرجل إنما أراد أن يخرج بالعراق من أفقه المنكفئ على نفسه إلى أفقه الإقليمي والدولي، وثالثها؛ ما طرحه من رؤى غاية في الأهمية حول ضرورة التفاهم المصري التركي السعودي العراقي الإيراني حول قضايا المنطقة وما يحيق بها.
واحد بحجم سماحة السيد عمار الحكيم، عندما يقرر الخروج من خارطة المحلية إلى أبعد من ذلك، فإن هذا يعنى أن العراق يستعيد عافيته، خاصة أن الغياب العراقي عن الأمة دفعها دفعا إلى الهاوية فالعراق الذي كان لا بد وأن يعود وبقوة من خلال قدراته التي أنهكتها الحرب وأنهكها التشرذم وأتعبها الذوبان في خلافات أهلية كادت تودي به إلى خارج التاريخ.. عودة العراق إلى الصدارة تعيد إلى المنطقة كلها توازنها الطبيعي، وتضيف إليها قوة لا يستهان بها.
ومما لا شك فيه أن بداية الجولة من القاهرة تحمل من المعاني أكثر مما تبوح به التصريحات الرسمية، ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي به يؤكد هذا المعنى، ويفرض علينا أن نتحرك صوب العراق، لنعيد إليه ثقته ونستمد من تاريخه أدوات للتحرك المستقبلي، خاصة أن العراق دافع عن هذه الأمة ودفع من حياة أبنائه ومن ثرواته ومن تاريخه ما لم يدفعه صبية يتعالون عليه الآن، ويتصورون أن غيابه حضور لهم.
إن ما طرحه السيد عمار الحكيم أثناء زيارته للقاهرة من تصورات يمثل خروجا عن أفكار الصندوق المعلبة، خاصة وأن الرجل لم يغفل قدرات الآخرين، حتى إشارته إلى الدور الأمريكي والدور الإيراني ودور تركيا ومصر والسعودية، خروجا من الأزمات الطاحنة التي تعانى منها دول المنطقة، خاصة حالة الخلخلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تركت آثارا لا بد من مواجهتها قبل فوات الأوان.
تصورات الحكيم عن سوريا تمثل نقطة التقاء بين رؤية مصر ورؤية العراق، فالحوار هو الحل، والتزام التفاوض والحوار اليوم أفضل من تأخيره للغد، وما طرحه الحكيم ومحاولته استعادة الدور العراقي يفرضان على مصر استنهاض القوة العراقية من جديد والاقتراب أكثر إلى كافة الأطياف السياسية هناك من أجل إعادته إلى الحظيرة العربية بعد أن فقدنا الكثير من قوتنا بفقدنا العراق.
إن العراق وما يمثله من مخزون حضاري وإنساني وتاريخي أبعد من أن يهمش أو يتم إقصاؤه، وقد أثبت التاريخ أن للعراق في وجداننا العربي ما لغيره من قيمة، لا بد من استعادتها.. يعرف ذلك الفلاح المصري في ريف الدلتا، ويعرفه العامل في صعيد مصر، ويجب أن يعرفه صاحب القرار في موقعه، وإيمانا منا بأن استعادة العراق هي استعادة للوجه المضيء لحضارة وتراث وتاريخ تليد، لا بد وأن نتحرك صوبه بخطوات متسارعة تحقق الغرض والهدف بعيدا عن الدوران في نقاط خلافية يمكن للحوار أن يذيبها تمامًا.