اعتزال الأستاذ سراج!!
في مدرسة إعدادية ثانوية مشتركة، كان الأستاذ سراج أستاذ التاريخ زملكاويًا متعصبًا إلى أقصى درجة، ولأن الأهلاوية أغلبية مثل أعضاء الحزب الوطني قديمًا، وتحالف دعم مصر حديثًا، فقد كان الرجل يشعر بأنه أقلية مضطهدة، غير أن إحساسه بالانتماء إلى الأقلية لم يكن يجعله ضعيفًا أو مستكينًا كطبيعة الأقليات، بل على العكس نراه وقد تحول من أب ودود لنا طوال أيام السنة إلى شيء آخر صبيحة يوم هزيمة الزمالك.
يتحول طابور الصباح إلى ثكنة عسكرية هو قائدها.. يفتش على الأظافر.. على الملابس، وعلى انضباط الطابور، وطول الشعر وليس بعيدًا على نظافة الفانلات الداخلية.. المهم أن الأستاذ سراج لا بد أن يجد ضالته للانتقام من هزيمة الأمس بالإمعان في ضربنا.. في منتصف الأسبوع يكون الأستاذ قد استعاد هدوءه ليعود إلينا أبًا حنونًا وأستاذًا جليلًا وقيمة لا ننساها أبدا.. يصبح ولى أمرنا في كل شئوننا.. يحل مشاكلنا.. يعود إلى سيرته الأولى.
سنوات طويلة كان الرجل خلالها مخلصًا لناديه، يتحمل في سبيله سخافاتنا، خاصة بعد أن خرجنا من ولايته إلى جامعاتنا.. أصبحنا كبارا، ويمكننا الآن أن نمارس ضده «الغيظ» صبيحة يوم المباراة، وكل مباراة يفوز بها الأهلي على الزمالك، خاصة أن فوز الأهلي يتحول في فترات إلى عادة، وكالعادة نذهب إليه أو نسأل عن مكان تواجده، لنمارس هوايتنا، خاصة أننا تحررنا منه كصاحب حق في ضربنا، وأصبحنا أصدقاءه نمارس عليه كل صنوف «الغلاسة».
مضت سنوات طويلة وأنا دائم السؤال إذا ما زارني صديق أو قريب، ويطيب لي أن أتساءل عن صولاته وجولاته ضد رفاقي الذين لا يزالون يجاورونه في قريتنا الحبيبة.. أكل الزمان منا سنوات الغضب والعصبية، وبقيت فينا أنشودة الذكريات، نتجاذبها كلما التقينا، ولم يعد الأستاذ سراج مشدودا كما كان أمام المباريات.. حدث تحول مدهش في حياته، ولم يعد مقبلًا على ما كان مقبلا عليه.
قرر الأستاذ سراج أن يعتزل كجمهور.. نعم فقد فطن إلى أن اللاعبين يعتزلون، والمدربين يعتزلون، فلماذا لا يعتزل الجمهور؟!
قرر الأستاذ أن يعتزل التشجيع، ولم يعد يمسك بيده العصا، ولم يعد يفتش على الطابور، ولم يعد مهتمًا إلا بذكريات يندهش لها عندما تمر على خواطره.. اعتزل التشجيع، ولكنه ظل كما هو الأب الحنون، والمعلم الفاضل، والقيمة التي لا تعتزل أبدا!!
اعتزل الأستاذ سراج مثلما اعتزل معظم المصريين التشجيع، أو المشاركة حتى ولو بالهتاف.. اعتزلنا لأننا لا نغير النتائج، بل نظل مفعولا به، مستقبلنا وأحلامنا، فوزنا وهزيمتنا، فرحنا وحزننا دائما رهينة بأقدام لاعبين!!