رئيس التحرير
عصام كامل

تيران وصنافير.. من ينتصر الدستور أم السياسة


وجود دستور في الدولة هو الضمانة الأولى لقيام الدولة القانونية؛ لأن الدستور يعين نظام الحكم في الدولة ويبين حالة السلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وكيفية ممارسة وظائفها وحدود اختصاصات كل منها إضافة إلى تحديده لحقوق وحريات الأفراد وبيان أن سيادة القانون هي الفكرة التي يجب أن تسترشد بها الدولة عند أدائها واجباتها.


ويشكل تنظيم رقابة قضائية على السلطات العامة في الدولة أهم وأقوى ضمانة من ضمانات خضوع الدولة للقانون نظرًا لما تتمتع به أجهزة القضاء من حيادية واستقلال وتخصص تمكن أي فرد من الأفراد من اللجوء إلى قاضيه الطبيعى ومخاصمة أي هيئة من الهيئات العامة أمام قاضٍ يملك أن يناقش ويحاسب هذه الهيئة عن مشروعية تصرفاتها ورد الظلم الواقع منها ومساءلة المسئولين عن ارتكابه، وذلك بإلغاء أو تعديل أو التعويض عن إجراء صدر مخالفًا للدستور أو للقواعد القانونية المقررة.

وقد قام مجلس الدولة المصرى بدوره المحدد في الدستور وفرض رقابته على اتفاقية "تيران وصنافير" وأصدر أحكامًا باتة انغلق معها سبيل أي مهاترات قانونية أو سياسية إلا أن الحكومة ومجلس النواب يحاولان بشتى الوسائل الالتفاف على تلك الأحكام وعلى سيادة القانون مما يعد طبقًا للدستور جريمة تستحق معاقبة فاعلها، فالمادة 94 من الدستور تنص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات كما تنص المادة 100 من الدستور على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب وتكفل الدولة وسائل تنفيذها على النحو الذي ينظمه القانون ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموم المختصين جريمة يعاقب عليها القانون.

والدولة ليس المقصود بها في النصوص السابقة الحكومة فقط بل تشمل مجلس النواب أيضًا وجميع الهيئات القضائية وغيرها من مؤسسات الدولة مما يستتبع بالضرورة أن إحالة الاتفاقية من جانب الحكومة إلى مجلس النواب أو التعرض من مجلس النواب للاتفاقية مباشرة دون إحالة من الحكومة أو مناقشة البرلمان لنصوص الاتفاقية أو صدور قانون بها غير دستوري وهدم لمفهوم الدولة القانونية نهائيًا.

أما عن محاولة إحداث نزاع قانونى وهمى ليس له أي أساس دستورى أو قانونى مستغلين في ذلك الحكم الذي صدر عن محكمة الأمور المستعجلة بخصوص جزيرتى "تيران وصنافير"، فهذا يعتبر عبثًا؛ لأن هذا الحكم منعدم وليس له أي قيمة قانونية وما جاء به يعد خرقًا لقواعد الدستور المصرى واعتداءً على أحكام نهائية باتة صادرة عن مجلس الدولة المختص بصفة أصيلة ومنفردة بنظر النزاع طبقًا للمادة 190 من الدستور ومختص أيضًا بنظر جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامه.

ولن يكون له أي صدى في استدعاء اختصاص المحكمة الدستورية لنظر النزاع؛ لأن نص المادة 192 من الدستور ينص على اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما عن أي جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها والقرارات الصادرة عنها.

ومما سبق يتبين أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا يوجد عند وجود حكمين قضائيين نهائيين صادر أحدهما من إحدى جهات القضاء والآخر من جهة أخرى، وهو ما لا يتوافر في الحكم الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة لأن أحكامها لا تعتبر نهائية وإنما هي أحكام وقتية لا تتمتع بأى حجية أمام محكمة الموضوع ولا تحوز أمامها قوة الشيء المقضى بل إن لمحكمة الموضوع أن تغير فيها كما لها ألا تعتبرها.

وما صدر عن محكمة الأمور المستعجلة يعد بمثابة انقلاب دستورى على اختصاص جهة قضائية وأيضًا على مفهوم الدولة القانونية بالتعرض لأحكام باتة صارت هي عنوان الحقيقة بل أقوى من الحقيقة على حسب تعبير محكمة النقض الفرنسية.

تحية شكر وإجلال وتقدير للمحامين الذين أقاموا دعوى بطلان الاتفاقية أمام مجلس الدولة الذي كان وما زال هو حصن الحقوق والحريات للمصريين وأساس الدولة القانونية في مصر وتبقى تيران وصنافير مصرية إلى الأبد.
الجريدة الرسمية