وزارة «الاستيراد والتموين».. تستورد 97% من الزيوت و62 % من القمح و30 % من السكر.. «المصيلحي» يرفض تطبيق «التسعيرة الإجبارية» على مافيا احتكار السلع.. ويؤكد: «عفّى عل
>> القطاع الخاص يستولى على 75% من "سلع الغلابة".. والوزارة "شاهد ما شافش حاجة"
لم تسلم الشرائح الاجتماعية طبقا لقدراتها المالية من أن تنال نصيبها من محرقة الأسعار التي اجتاحت الأسواق، وتعالت آهات المصريين من حرائق لقمة العيش التي تتغير بين اليوم والليلة تحت مزاعم واهية لم تكن تدخل الحكومة بمسكنات مجدية للتخلص من هذا الكابوس الذي يجثم على قلوب المصريين.
لا شك أن ارتفاع الأسعار كان بطلها الدولار الذي أصبحت بطون المصريين تحت رحمته منذ 3 نوفمبر 2016 وقبله، ولكن بعد تحرير سعر الجنيه وما واكبه من رفع تدريجي لدعم الطاقة والكهرباء وجميعها متصلة بمستلزمات الإنتاج الزراعى والصناعى وترك الحبل على الغارب للتجار وسط ممارسة احتكارية للسلع الغذائية التي أصبحت حصريًا على عائلات تتوارثها وسط غياب رؤية للتدخل بآليات قوية لفرملة هذا الجنون السعرى المرتبط بالتضخم ونقص الإنتاجية.
الحكومات المصرية المتعاقبة، لا تتقن حل المشكلات، لا تجيد أبجدية "البحث عن الحلول"، بقدر ما تتفنن في "إدارة الأزمة بالأزمة"، وتدرك جيدًا كيفية العمل على "تسكين المشكلات" وتجيش كل إمكانياتها لبقاء الوضع "تحت السيطرة"، متجاهلة أن الأمور في لحظات تخرج من نطاق السيطرة، وفى العادة، يحدث ما لا يحمد عقباه.
وزارة التموين والتجارة الداخلية، واحدة من الكيانات التي يمكن القول إنها تنفذ حرفيا، ما تفكر فيه حكومات المحروسة، فبالنظر إلى ملف السلع الإستراتيجية، يتضح أن مصر تعانى نقصا كبيرا منها، خاصة التي يتم ربطها على البطاقات التموينية.
ووفقًا لما كشفته مصادر داخل الوزارة يتضح أن مصر تستورد سنويا 97% من الزيت، وما بين 60 و62% من القمح وما بين 25 و30% من السكر، إلى جانب استيراد 100 ألف طن من الدواجن سنويًا و65% من اللحوم بكل أنواعها لسد الفجوة في الإنتاج المحلى.
وللحد من أزمة ارتفاع السلع تلجأ "التموين" إلى صرفها على مقررات البطاقات التموينية وسط أخطاء في منظومة صرف السلع -كما تؤكد المصادر- وطرح سلع بأكثر من سعر مثل السكر، مع عدم قدرة الأجهزة الرقابية على ملاحقة مافيا التلاعب بالأسواق، والسيطرة على الممارسات الاحتكارية في السوق المحلية والاستحواذ على الاستيراد.
وأوضحت المصادر أن القطاع الخاص يسيطر على ما يقرب من 75 إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالى، وهو ما دفع الدكتور على المصيلحى، وزير التموين الحالى، إلى الاعتراف بأنه من الصعب تثبيت الأسعار، مشيرًا إلى أنه سيتم تكليف الشركات والمنتجين بكتابة السعر على المنتج لتحديد السعر لتاجر الجملة والمستهلك النهائى؛ لأن التسعيرة الجبرية عفى عنها الزمن.
من جانبه قال المحاسب هشام كامل، المستشار بقطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين: لا توجد خطة واضحة للتعامل مع أزمات الأسعار في الأسواق التي تعتمد على سياسة رد الفعل دون التنبؤ بهذه الأزمات من قبل الوزارة والتصدي لها بعيدا عن سياسة المسكنات، أضف إلى هذا غياب وجود سياسة تسويقية واضحة للسلع الإستراتيجية مثل الأرز الذي استولى عليه القطاع الخاص بعد إعلان الحكومة عن سعر متدنٍ دفع التجار إلى المضاربة وجمعوا المحصول من مزارعى الأرز وخرجت التموين "صفر اليدين" وتم تهريبه وتصديره للخارج وتجاوز الكيلو 10 جنيهات للأنواع الفاخرة.
"كامل" أكمل بقوله: هذا الوضع دفع "التموين" إلى التعاقد على شراء 500 ألف طن أرز هندى يرفض البقالون والمواطنون من أصحاب البطاقات الحصول عليه لتدني جودته، كما أن الأسواق توجد بها تشوهات وممارسات غير مشروعة وقوانين التموين عاجزة عن ردع التجار المحتكرين والجشعين لتظل أوجاع المواطن تحت رحمة التجار.
وفى سياق متصل قال الخبير الاقتصادي الدكتور علاء رزق، رئيس منتدى التنمية والسلام: زيادة معدلات التضخم والعجز في الموازنة العامة للدولة وعدم وضوح السياسة النقدية، ونقص المعروض من السلع الأساسية التي يتم استيرادها من الخارج، مع تحرير سعر الصرف وضعف آليات الرقابة، وعدم تفعيل القوانين الحاكمة للأسواق ووجود ممارسات احتكارية، جميعها أسباب ترتب عليها ارتفاع الأسعار في وقت تراجعت فيه قيمة الجنيه إلى 50 قرشًا، إلى جانب عدم القدرة على توفير السلع الغذائية لنقص المعروض وزيادة الطلب يفتح باب الاستيراد بالدولار.
وشدد "رزق" على أنه لا بد من حلول عاجلة للخروج من مستنقع لهيب الأسعار من خلال حزمة من الإصلاحات منها خفض عجز الموازنة وزيادة معدلات الإنتاج الزراعى والصناعى وتشجيع الاستثمار المباشر وغير المباشر لتوفير فرص عمل وزيادة القدرة الشرائية للجنيه مع إعادة النظر في الدخول الثابتة والتوسع في برامج الحماية الاجتماعية وتفعيل قانون الاحتكار لتحقيق المنافسة بين المنتجين تؤدى إلى خفض الأسعار.
من جهته قال رأفت القاضى، رئيس فرع الاتحاد العام لمفتشى التموين والتجارة الداخلية بالقاهرة: ارتفاع الأسعار مسئولية مشتركة للحكومة بأسرها، كون أن "التموين" وزارة لا تنتج شيئا، لكنها تراقب السلع وتوزعها من خلال منظومة الدعم، بجانب رقابة الأسواق التي تخطت قدراتها لعدم توافر العناصر الكافية من المفتشين ونقص الإمكانيات المادية للرقابة، كما أن القوانين التي تحكم منظومة التموين لا تزال عاجزة عن تحقيق الردع، ومنها ما يتم العمل به من عهد الملك فاروق مثل القانون رقم 95 لسنة 1945 والقانون رقم 165 لسنة 11950 والغرامات فيه هزيلة، إذا ما تم قياسها بالمكاسب غير القانونية التي يحققها للتجار الجشعين وأباطرة الاحتكار.
وأضاف: الدولة لا تتحكم في أسعار السلع التي يتم استيرادها، كما أن الإنتاج الزراعى والحيوانى والداجن لا يغطي جميع متطلبات المصريين، ليكون الاستيراد الذي يتطلب الدولار بعد تحرير سعر الصرف هو أداة الاستيراد وسط زيادة في هامش الربح لبعض السلع تتراوح بين 100 و200%، والرقابة لا تتدخل لكونها آليات السوق الحرة التي لا تعرف التسعيرة الجبرية، كما أن الاقتصاد المصرى يعانى أزمة في توزيع السلع المعدمة التي يتم تهريب جزء كبير منها إلى السوق السوداء، خاصة من الدقيق والسكر واللحوم والدواجن، وهو ما يتسبب في زيادة الأسعار.