أين إسلام الرحمة؟!
الدين رحمة، والإسلام دين السلام، والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، وقال عنه «وإنك لعلى خلق عظيم»، والله قال «ورحمتي وسعت كل شيء»، والرسول قال «الراحمون يرحمهم الرحمن»، والرسول رحمة للعالمين، ودخلت امرأة باغية الجنة في كلب سقته، كل هذه أشياء جميلة ورائعة، وهي من أصول الإسلام، ولكن هل نؤمن بها حقا ونمارسها في حياتنا، أم أننا نكتفي بكتابتها بخطوط جميلة في لوحات مزينة من حواشيها بماء الذهب، ثم نضعها في صالونات المنازل، وبعدها نخرج إلى حياتنا الدنيا لنبث الكراهية بسبب اختلاف العقيدة إلى أن تطور الأمر وأصبحنا نبث الكراهية بسبب اختلاف الآراء!
أظن أن الثقافة الغالبة عند جمهور المسلمين تتمحور حول أن الله سبحانه يتعرض لحروب حامية الوطيس، ولذلك يجب أن يتحول المسلم إلى جندي يدافع عن الله ويكره أعداءه، وبذلك يتحول قلب المسلم العادي إلى مضخة تضخ الكراهية ضد هؤلاء الأعداء، ومع جماعات التطرف أصبح كل من لا يقف معهم هو من أعداء الله!
وقد تم بث هذه الثقافة من خلال منابر المساجد التي تعتبر أخطر جهاز إعلامي يخاطب العقلية المسلمة، ويساهم في تشكيلها وصياغة أفكارها، فما أن يصعد الخطيب إلى المنبر حتى يبدأ الحديث عن الجهاد في سبيل الله وحتمية الصدام مع من يحاربونه، ثم ينتهي بدعاء طويل هو في الحقيقة «دعاء حرب» يقول فيه:
«اللهم انصر الإسلام، اللهم اهزم أعداءك أعداء الدين، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن والاهم، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة تدور عليهم»، ثم بعد أن ينتهي من دعاء الحرب والكراهية يبدأ في دعاء طائفي، فيطلب من الله وصوته يرتفع إلى عنان السماء: «اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين»! وكأنه لا يعيش في وطن يجمع بين المسلم والمسيحي وينبغي فيه أن يدعو لخير كل أبناء الوطن، وسبحان الله، يبدو أن رب العزة لا يستجيب لهذا الدعاء الطائفي لأن مرضى غير المسلمين في الغرب هم الذين ينالون الشفاء نظرا لتقدمهم في الطب، ومرضانا هم الذين تفتك بهم الأمراض!
ثم يدخل الخطيب في دعاء طائفي آخر عندما يقول: «اللهم نجح أبناء المسلمين»! وهكذا تتوالى عشرات الأدعية الطائفية بعد خطبة مليئة بروح العداء والكراهية والقتال، ولا يظن أحد أن هذه الخطب المنبرية حديثة العهد، ففي كل الدول التي أطلقوا عليها إسلامية، منذ عهد الدولة الأموية، وخطيب المنبر يصعد للخطابة وهو يحمل في يده سيفا، وكأن الدين لا يقوم إلا بالسيف، وظل الخطباء على هذا العهد إلى أن أصبحوا في عهد الدولة العثمانية يحملون سيوفا خشبية! إلى أن خرج علينا بسيوفهم من يقولون إنهم جنود الله، ومن وقتها غاب إسلام الرحمة.