رئيس التحرير
عصام كامل

لا طبنا ولا غدا شرنا.. نريد حلا !


بعد تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر الماضي، كتبت مقالا عن القصور الأمني وانشغال الأجهزة المعنية في وزارة الداخلية بصغائر الأمور وترك المهام الجسام المتعلقة بأرواح المواطنين وأمن مصر القومي، وقلت يومها إننا لا نتعلم من أخطائنا وإن لم تتدارك الداخلية الأمور وتغير نهج العمل، وتتخلص من أصحاب المصالح وملفقي التهم للأبرياء وفاقدي الذمة، فإن حبل جرائم الإرهاب سيصبح على الجرار.


استنفرت الداخلية أجهزتها بضعة أيام إثر تفجير البطرسية أثناء قداس الأحد، وماهي سوى أيام حتى عادت الأمور إلى ما كانت عليه، وإلا كيف تكرر السيناريو نفسه في كنيسة مارجرجس بطنطا، حيث تمكن الانتحاري من الوصول إلى قاعة الصلاة الرئيسية بالكنيسة دون أن يعترضه أحد أو حتى يخضع للتفتيش، فجر الإرهابي نفسه في المصلين صبيحة الاحتفال بـ "أسبوع الآلام" ليقتل 30 ويصيب العشرات ممن يحيون قداس "أحد السعف"، وبعد وقوع الكارثة صدرت الأوامر بالاستنفار وتعزيز الأمن حول الكنائس تحسبا لوقوع هجمات أخرى... فهل هذا منطق أمني في بلد بهذا الحجم؟!

قبل أن نفيق من هول صدمة التقصير الأمني، يصيبنا الذهول بتفجير انتحاري آخر وهذه المرة في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية أثناء ترأس البابا تواضروس الثاني قداس أحد الشعانين، لكن تمكنت القوة المكلفة بتأمين الكنيسة من التصدي لمحاولة اقتحام إرهابي يرتدي حزاما ناسفا الكنيسة مضحية بنفسها لتمنع حدوث كارثة، ومع تفجير الانتحاري نفسه خارج الكنيسة، راح ضحية الجريمة 16 بينهم قوة الأمن ويصاب 40 آخرون.

تفجيران إرهابيان بينهما دقائق ثقيلة تبناهما "داعش" معتنق الفكر الإرهابي "القطبي" نسبة إلى سيد قطب، والغريب أن التنظيم الإرهابي نفسه تبنى تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر الماضي، وتسبب في تهجير الأقباط قبل أسابيع قليلة من العريش بعد أن ذبح بعضهم وروع البعض الآخر وأجبر الغالبية على النزوح وترك كل شيء خلفهم. كما هدد علانية في فبراير الماضي باستهداف الأقباط في جميع أنحاء مصر. لكن واضح تماما أن أجهزة الأمن المعنية لم تتعامل بجدية كافية مع التهديدات فكانت النتيجة تفجيرات مروعة في طنطا والإسكندرية!!

لا ننكر أن دول العالم تعاطفت وتضامنت معنا في المصاب الأليم على المستوى الرسمي، لكن على المستوى الشعبي كان الوضع مختلف تماما مع الاسف الشديد، إذ أصبحنا أضحوكة العالم ليس فقط كبار الدول بل أصغرها وأضعفها، الكل يسخر من الإجراءات الأمنية وعدم القدرة حتى على تأمين المصلين وتكرار الانفجارات في كل مرة بنفس السيناريو وسقوط الضحايا بالمئات دون أن تكون هناك وقفة حاسمة ومحاسبة جادة تطير معها رءوس، وفي ظل استمرار حالنا البائس أصبح ينطبق علينا المثل "لا طبنا ولا غدا شرنا"!!.

حاولت جماعة الإخوان الإرهابية إبعاد التهمة عن نفسها فأدانت التفجيرين وجعلت أذنابها على غير العادة يبدون "تعاطفا مع الأقباط ويهاجمون الدولة المقصرة في حمايتهم"، أما كبيرهم المخرف يوسف القرضاوي، فغرد على "تويتر": "لم تعرف مصر طوال تاريخها تفجيرات تستهدف جزءًا من المواطنين، إلا في عهود الاستبداد". متناسين جميعا أن كل محاولات الفتن التي مرت على مصر والتفجيرات والحوادث الإرهابية كان الإخوان سببا فيها.

استبق الإرهاب الخبيث زيارة تاريخية يحضر خلالها بابا الفاتيكان فرنسيس إلى مصر نهاية الشهر، ومن حسن الحظ أن الفاتيكان أكد إتمام الزيارة في موعدها، وأن البابا فرنسيس يثق في تأمينه بشكل جيد.. لقد حاولوا إلغاء الزيارة والتشكيك في القدرة على تأمين زوار مصر، وبالتالي ضرب السياحة الصيفية التي باتت على الأبواب بعد أن أعلنت مجموعة من الدول عن عودة سياحها إلى مصر، وهكذا ما إن نتجاوز عقبة حتى توضع أمامنا عقبات. لكن يظل التحدي الأكبر ممثلا في الأمن والاقتصاد.

لم يعد خافيا أن الدول الكبرى لا تحارب "داعش" بقدر ما أنها تطرده من المدن التي تحررها في سوريا والعراق، وتفر عصاباته من جحيم القصف إلى ليبيا أو السودان أو غزة ومنها جميعا تتسلل إلى مصر بطريقة أو بأخرى، لإعادة نشر الفوضى والرعب في النفوس، والسعي الحثيث لإشعال فتنة طائفية تؤدي إلى حرب أهلية بهدف تحقيق مخطط التقسيم الذي فشل في تنفيذه الإخوان، ما يستوجب حلا سريعا فماذا أنتم فاعلون؟!
الجريدة الرسمية