رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا مادة واحدة؟!


دخل نادي مجلس الدولة على خط الأزمة، منوهًا في بيان مماثل إلى أن التعديل البرلماني المقترح ينطوي على تغول صارخ ومساس واضح باستقلال القضاء المقرر دستورًا بموجب المادة 94، وتدخل في شئون العدالة من شأنه أن يغرس بذور الخلاف والشقاق بين أعضاء الأسرة القضائية الواحدة، ويصرفهم عن التركيز في صميم العدالة ومقتضياتها؛ إذ يغير ذلك المقترح طريقة تعيين رئيس كل جهة قضائية، ويسحب هذا الاختصاص من المجلس الأعلى لكل من تلك الهيئات، والذي كان يختار القيادات ثم تكون مهمة رئيس الجمهورية هي التصديق فقط على هذا الاختيار.. فكل جهة قضائية هي الأقدر على اختيار رئيسها وأعلم بشئونها بما يكفل صون استقلال القضاء واحترام أعراقه وتقاليده الراسخة، ويحافظ على مبدأ الفصل بين السلطات.


وكنت أرجو لو ناقش البرلمان جميع مواد قانون السلطة القضائية ولم يقتصر على مادة واحدة فجرت كل هذا الخلاف، وفتحت الباب واسعًا لجدل وشقاق لا طاقة لمصر بهما في هذه المرحلة أو في غيرها.. فتاريخ القضاء في مصر حافل بمواقف ونضالات مشرفة رفض فيها القضاة الخضوع أمام السلطة، وأوضح مثال على ذلك صمودهم ورفضهم نهج حكم الإخوان، الذي سمح بحصار الدستورية العليا والاعتداء على القضاء واستقلاله.

تعالوا نقرأ التاريخ لنعرف قدر القضاء ومكانته وكيف أن الرئيس السيسي يقدر ذلك القضاء، ويعلن دومًا احترامه لاستقلاله وأحكامه؛ فهو من أهم دعائم الحكم المستقر الرشيد.

بريطانيا أيام الحرب العالمية الثانية شكا وزير عدلها إلى الرئيس تشرشل وجود أحد المطارات بجوار إحدى المحاكم؛ مما يعطل سير العدالة بها، فما كان من تشرشل، إلا أن أمر على الفور بنقل هذا المطار لمكان آخر قائلًا: إن بريطانيا العظمى تحتمل ضربات الطيران لكنها تحمي العدالة؛ لأنها هي السلاح الأول في الحرب والسلام.. ومادام قضاؤها بخير فهي إذن بخير".. ونحن نقول أيضًا مادام قضاء مصر بخير فهي أيضًا بخير.. ذلك أن الشعور بالأمان لا يمكنه أن يتحقق في غياب دولة القانون ولا يمكن لنظام ديمقراطي أن يتأسس دون تشريعات متطورة وعدالة ناجزة ملائمة لتطور الحياة، ملبية لحاجات العصر ومستجداته، محققة حياة كريمة للمواطنين جميعًا.

إن أكثر ما يميز الأنظمة الديمقراطية عن أنظمة الحكم الشمولي هو احتكام الأولى لمنظومة قانونية ودستورية سليمة متينة لا تتغير بتغير شخوص الحكام، بل هي التي تأتي بهم وترسم لهم معالم الطريق.

ولعل الدستور الذي وافقنا عليه أيًا ما تكن ملاحظات البعض عليه، ينظم عمل مؤسسة القضاء وصلاحياتها وعلاقتها بسائر مؤسسات الدولة والحكم.. وليس على البرلمان إلا ترجمة هذا الدستور إلى قوانين تصون الثوابت وتحافظ على المقدرات وتحقق شروط المواطنة العادلة، وتنصف المظلوم وتحمي الضعيف وتنهض بصحة المواطن وتعليمه وسائر ما يقدم إليه من خدمات.
الجريدة الرسمية