كارفور.. وما أدراك ما كارفور؟!
نحمد الله؛ نحن سكان منطقة المعراج خلف كارفور المعادي، بعد أن منّ الله علينا وقرر مسئول كبير أن يغادر المنطقة، فعادت المياه إلى مجاريها بعد أن قضينا قرابة العامين نلف وندور للوصول إلى بيوتنا.. ظللنا طوال الفترة المذكورة نبتهل إلى الله عز وجل أن ينعم على سيادته ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويزيد من مكافآته فينتقل إلى كمبوند أو فيلا من فيلات الكبار ويرحمنا ويرحم أبناءنا الذين قضوا نصف المدة في لف ودوران.
وأصل القصة أننا نحن سكان المنطقة بكاملها؛ رُزقنا بمصيبتين، أولاهما: عندما قرر رجل الأعمال الكبير المدعو “الفطيم” أن يقيم مركزا للتسوق وسط مساكننا فكان ما كان من زحام وسيطرة لسيارات نقل البضائع وتجريف للطرق الصغيرة التي كنا ننعم بها قبل وصول استثمارات سيادته، وما مثلته لنا من إزعاج كنا نتصوره على غير ذلك، إذ تصور بعضنا أن وجود كارفور سيضيف إلى المكان بهجة “وونسا” كنا نفتقده قبل وصوله الميمون.
ومصيبة كارفور أو السادة القائمين عليه أنهم لا يعرفون أن لرأس المال وظيفة اجتماعية لابد وأن يشعر بها المحيطون بهذه الاستثمارات، فأصيبت الطرق بالحفر خاصة في المنطقة الخلفية التي تنعم بمستنقعات كنا قد نسيناها منذ أن غادرنا ريفنا المثقل بأعباء الإهمال وحصار المستنقعات، فلم يكن من كارفور إلا أن يثبت عزائمنا ويذكرنا بالذي مضى من قمامة تحاصرنا وعربات النقل التي تسيطر بلا هوادة على الشارع، ولم يكن أمامنا إلا الصبر تشجيعا لاستثمارات التجار الكبار من أمثال الفطيم.
والمثير أننا نحن سكان المعراج، لم نتوقف عندما عمت الفوضى البلاد وهاجم اللصوص كارفور، فقررنا تنظيم أنفسنا ووضعنا عدة تشكيلات من السكان وحراس العقارات وتصدينا بجسارة لفئات اللصوص التي جاءت إلينا من كل حدب وصوب، حتى فوجئنا بنيران تنطلق من أعلى سيارة نقل.. هربنا جميعا وبدأنا نتصيد اللصوص الصغار واحدا تلو الآخر، أثناء عودتهم محملين بما لذ وطاب من ملابس فاخرة وأحذية نادرة، وجمعناها في أحد المساجد وظللنا ننتظر أصحاب كارفور حتى ظهورهم بعد عدة أيام.
تناسينا ما يفعله فينا كارفور في اللحظات العصيبة، غير أن القائمين على أمره ظلوا على عهدهم ووعدهم بحصارنا بكل صنوف الفوضى وتجريف الشارع الخلفى.. ما علينا.
المهم؛ أن المصيبة الثانية التي اُبتلينا بها عندما فوجئنا بتغييرات مرورية تفرض علينا المضى في طرق أشبه بالمدقات عند خروجنا من المدينة إلى الطريق الدائرى، حيث فرضت علينا التعديلات الجديدة أن نلف لأكثر من كيلو مترين حول أنفسنا حتى نصل إلى فتحة النفق.
لم نعترض كالعادة ولكننا أيضا لم نمنع فضولنا من معرفة السبب.. كانت الإجابة في إصرار إدارة المرور على وضع كتل خرسانية بشعة مع أكوام من الأحجار المرصوصة بشكل قبيح يفرض علينا الطريق الجديد مع وجود عدد من أفراد الشرطة ليحولوا دون اجتيازنا الطريق الطبيعى للخروج من النفق.. زادت حدة الاستفسارات حتى قال لنا قائل إن شخصا مهما أقام على مقربة من طريق خروجنا، فكان القرار الصعب بتعذيب سكان المنطقة بكاملها لأن سيادته ينزعج من مرور سياراتنا من أمام مسكنه.
ولأننا في بلد لا يستجيب فيه مسئول لأنات الناس وأوجاعهم، فقد قررنا أن نلجأ إلى من لا يغلق بابه أمام سائل، واخترنا ألا نتوجه بالدعاء ضد سيادته خوفا من وصول ما عزمنا عليه إلى تسريبات أحمد موسى المناضل التليفزيونى الكبير ضد الخونة والعملاء من أمثال سكان المعراج.. اخترنا أن ندعو للسيد المسئول الكبير بسعة الرزق وطول العمر وزيادة المكافآت وارتفاع نسبة المخصصات المالية له ولعائلته الكريمة، لعله ينتقل من ضيق المعراج إلى «وسع الكمبوندات».
والحمد لله الذي تتم به النعمات، ويصل به المقطوع، وينتقل بفضله سكان العشوائيات إلى الضواحى المأهولة وينتقل سكان الضواحى المأهولة إلى كمبوندات واسعة وشاسعة مليئة بالأشجار والحمامات، بفضل الرزق الوفير الذي تحقق لصاحبنا الذي لا نعرف كنيته، ولا وظيفته، ولا أهميته، ما جعله يعلن العصيان على منطقتنا.. انتقل سيادته إلى مكان غير المكان، فإن كانت نقلته إلى موقع مماثل فإننا نوصى سكانه باتباع ما مضينا فيه إلى أن يمن الله عليهم برحيله الميمون إلى مكان آخر.
عاد إلينا الطريق الذي احتله السيد المسئول الكبير، وأصبح الطريق عاما فعلا وليس خاصا، وسبحان مغير الأحوال، عدنا نحن إلى الطريق مرددين ما أحلى الرجوع إليه، ويبقى أمامنا طريق آخر سنسلكه مهما طال، وهو أن ندعو للسيد الفطيم أن يمن الله عليه وينتقل هو الآخر إلى مكان أكثر رحابة حتى يعود إلينا الهدوء، ونضمد جراح الطرق التي أثخنتها رياح الفوضى.. فوضى سيارات نقل البضائع وإن لم يتحقق لنا المراد من رب العباد، فإننا قد نسلك طريقا آخر بأن ندعو لسيادته أن ينظر إلينا بعين الرضا ويفسد ما أفسدته استثماراته بمدينتنا التي كانت هادئة!!