رئيس التحرير
عصام كامل

برلمان «فضة المعداوي»


أغلب الظن أن المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة عندما أطلق رائعته الخالدة “الراية البيضا” لم يكن يتصور في يوم من الأيام، أن شخصية "فضة المعداوي" ستطل من جديد ومن داخل برلمان مصر، لتؤكد أن الصراع بين الأصالة والأغنياء الجدد لم ينته، وأن البرلمان الذي تنفق عليه مصر مليار جنيه دون طائل ولا فائدة إلا «مكلمة» وصراع من أجل المصالح الشخصية ضد العلم ورجاله كنموذج في واحدة من أبهى جامعات مصر وهي جامعة المنصورة.


تقول الوقائع: إنه في الوقت الذي اجتمع فيه ثلة من أعضاء البرلمان المذكور، اجتمعوا بليل للنيل من قامة علماء أجلاء لهم في الإسهام الحضاري باع طويل، جعلهم يحصلون على المركز الرابع عالميا في زراعة الأعضاء البشرية، والأول محليا، وابتنوا صرحا طبيا عالميا واستطاعوا أن يجتذبوا أكثر من ستة آلاف طالب من الوافدين، يُدرون على البلاد قرابة الـ٢٥ مليون دولار، ويضيفون إلى التعليم المصرى أكثر من ١٥٠ ألف طالب في محراب يضم ١٠ آلاف عضو هيئة تدريس، وأكثر من ٣٠ ألف موظف وعامل.

والجامعة التي أرادت "فضة المعداوى" أن تحاصرها يقوم علماؤها بإجراء أكثر من ١٠٠ عملية جراحية كبرى، وتضم ١٠ مراكز طبية من أكبر المراكز الطبية في الشرق الأوسط، ويحتل أعضاء هيئة التدريس فيها أكبر عدد من أعضاء اللجان العلمية الدائمة في مصر.. كل ذلك يتم بميزانية للمستشفيات لا تزيد على الـ٢٠٠ مليون جنيه سنويا، في حين ينفق السادة رفاق فضة المعداوى مليار جنيه على صراعات شخصية ظهرت بوضوح فيما أرادوه للجامعة المفخرة.

وآفة البرلمان أنه انساق وراء رئيس لجنة التعليم الدكتور جمال شيحة، وأصدر واحدة من أغرب التوصيات التي لا يملك إصدارها أصلا عندما قرر أعضاء اللجنة المزعومة أن يصدروا توصية بإقالة رئيس الجامعة الدكتور محمد قناوى، بدعوى مخالفات علمية بالجامعة وهو الأمر الذي يقف وراءه رئيس لجنة التعليم لغرض في نفسه، نعرفه وهو يعرفه.. وليس سرا أن نقول إن الدكتور جمال شيحة ظل يتقاضى راتبه من الجامعة طوال أكثر من عام ونصف العام، دون عمل ودون حضور، وهو الأمر الذي دفع رئيس الجامعة إلى إجباره على القيام بإجازة بدون مرتب حرصا على المال العام.

هنا مربط الفرس، وهنا فجيعة "فضة المعداوي"، التي أرادت وفق العمل الفنى الرائع للثلاثى محمد فاضل وأسامة أنور عكاشة وسناء جميل، أن يضعوا أمام المجتمع جذور الصراع بين الأغنياء الجدد والقيم الأصيلة في المجتمع المصرى الذي يعانى من غياب للضمير الإنساني في واحدة من أبهى مؤسساته، وهى البرلمان.. انساق السذج وراء الضغينة التي قادت جمال والدكتورة إيناس ليورطا مجلس النواب في معركة أظهرت الوجه غير اللائق لما يمكن أن يقوم به برلمان مصر بعد ثورتين.

وفى الوقت الذي قادت فيه فضة المعداوى عددا من المغرر بهم من أعضاء البرلمان كانت هناك وعلى أبواب الجامعة التي قارب عمرها على الخمسين عاما، ثلة من علماء مصر وخبرائها قد آثروا أن يواجهوا فضة المعداوى بوقفة صامتة توحي بما هو أكثر من الكلام.. وقف علماء مصر صفا واحدا ضد الإساءة إلى صرحهم، في حين كانت فضة تنال من سمعة مصر وجامعاتها وعلمائها لا لشيء وإنما لمآرب شخصية ستكشف عنها الأيام القليلة القادمة.

وفى الوقت الذي أعلن فيه جمال شيحة المعين بالبرلمان، أكثر من مرة، أنه لا يرغب في الالتحاق بالأحزاب أو التكتلات داخل البرلمان، مفضلا التعبير عن نفسه بحال كونه مستقلا فاجأ الجميع بانضمامه إلى تحالف دعم مصر، وكأنه إنما أراد أن يحتمي بهذا التحالف خشية انكشاف الأمر، وأمور أخرى أتصور أنها لابد وأن تصل إلى جهات التحقيق، لأن ما حدث ليس مواجهة لفساد بقدر اعتباره فسادا ضد صرح علمي، أُسيئ إليه وهو صاحب السمعة العالمية الطيبة.

وإذا كان المجلس الأعلى للجامعات قد آثر الرد الراقي، باجتماعه واستعراضه لما تناولته لجنة التعليم بالبرلمان المذكور، والاكتفاء بإعلان دعمهم للدكتور محمود قناوى وجامعة المنصورة ضد الهجمة الشرسة وغير المبررة، فإن من حق الجامعة أن تحظى باعتذار مجلس النواب إحقاقا للحق، واعترافا للجامعة بفضلها وفضل رجالها بدلا من هذا التصرف القاصر الذي اتخذه البرلمان عندما قرر سحب التوصية دون اعتذار يليق بعلماء أجلاء نال من سمعتهم برلمان “الشوم”!!

وأيضا يصبح من حق الناس أن تعرف على وجه الدقة مصير الأموال التي يجمعها مركز طبى يديره الدكتور جمال شيحة، لعلاج مرضى الكبد؟.. وكيف يدار وعدد الذين يعالجون به، وذلك إنصافا للحقيقة وللدكتور جمال شيحة نفسه، فقد يكون الرجل صاحب أيادٍ بيضاء في هذا المجال فنشرع في الاحتفاء به وبمركزه وبما يقوم به من أجل البسطاء إذا كان بالفعل يقوم بذلك، ومن حق الناس أيضا أن تعرف على وجه الدقة كيف تستخدم أموال العباد المتمثلة في ميزانية البرلمان، وهل تنفق في مناقشة ما ينفع الجماهير أم يستخدم بعضها لخوض معارك من أجل مصالح شخصية أو الانتقام من الجامعة ورئيسها لسابق وقوفه ضد مخالفات نعتقد أنه لو صمت عنها لأصبح مجرما في حق جامعته ودورها في المجتمع.. «الأيام القليلة القادمة لابد وأن تنتصر فيها القيمة على فضة المعداوي».
الجريدة الرسمية