أنتم ناس لا آلهة
اعلموا أيها الناس أن خَلـْق الله ثلاثة هم أهل الإيمان، وأهل الجهل، وأهل الكفر، أما أهل الإيمان فهم من عرفوا الحق فاتبعوه، وأهل الجهل هم من لم يعرفوا الحق فلم يتبعوه، وأهل الكفر هم من عرفوا الحق فجحدوه وأنكروه، الكفر أيها الناس ستر وتغطية، فالكافر حاجب وساتر للحق، أما الجاهل فهو مستور عنه ومحجوب عنه الحق، وهذا غير ذاك، لذلك يقول الحق سبحانه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها)..
في الآية السابقة وفي غيرها يتحدث الله ليس عن أهل الكتاب جملة، وليس عن المشركين جملة، ولكن يحدثنا عن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، أي عن أولئك الذين عرفوا الحق، فكفروه أي حجبوه وستروه، أما غيرهم من أهل الكتاب والمشركين ممن لم يعرفوا الحق، ولم تهدهم عقولهم إليه فهم مكفور عنهم وليسوا كافرين، والكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة كلكم يصيبه، تعرف أن حجة من يناظرك هي الأصح فتكفرها أي تحجبها عن الناس كبرا أو بطرا أو غرورا، فأنت بجحدك تكون قد دخلت إلى الكفر الأصغر، فكل إنسان عرف أمرا من أمور الحق فحجبه بطرا أو عنادا فهو كافر أصغر، أما إذا حُجِب عن عقله أمر من أمور الحق فهو مكفور عنه لا كافر أصغر.
وكل من لم يصل إليه الحق هو من أهل الفترة إذ قال الله سبحانه في سورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وقال في سورة المائدة "قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"، والرسول ليس هو صاحب الرسالة فقط، ولكن الرسول أيضا هو الدليل، فكل نبي أرسله الله كان يأتي قومه بآية أو علامة، فيعرفون أنه مرسل من قبل الله..
فكانت لإبراهيم آياته، ولموسى آياته، ولعيسى آياته، ولمحمد آياته، هذه الآيات لأقوامهم، فإذا رأوها عرفوا أنها فوق إمكانية البشر، آمنوا بهم، ولكن كان هناك من أقوامهم من يرى الآيات فيجحدونها ويقولون "إنما سكرت أبصارنا" فهؤلاء هم كفار "الشهود والمعاينة"، ومن هؤلاء من قال فيهم الله سبحانه في سورة النمل "فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا"..
هنا يا أيها الناس جاءت آية الله مبصرة، واضحة، جلية، ولكنهم قالوا للناس حتى يفتنوهم "هذا سحر مبين" رغم أن أنفسهم استيقنت الحق، هؤلاء هم الكفار حقًا، والذي أخبرنا بكفرهم هو الله سبحانه، فمن منكم يستطيع أن يجعل من نفسه إلهًا فيطلع على ما في قلوب الناس وضمائرهم ويحكم بكفرهم؟! أنتم ناس لا آلهة.