رئيس التحرير
عصام كامل

قاتل الرئيس في القمة العربية


الفصل الأول: "ضوضاء صامتة"
قبل البدء.. لم يكن شيء سواهم، فقط هم والقاعة الفارغة، وكثير من القهوة العربية لتصارع كبوة غفواتهم.. هي عادة لا تفلح بإنجاز مهمتها في كبح النعاس عن أكوام الدهون!


قال العامل لنفسه: لماذا لم أسأل عن باب الطوارئ؟ هم يمنعون الأسئلة الكبيرة كأن تسأل عن بوابة للخروج أو الهرب.. دقائق ويدخل عارضو الأزياء والتنديد، بدل رسمية يفضلونها متشحة بالسواد كتعبير عن حزن مفتعل -نفتعل نحن أيضًا تصديق حزنهم ونصدق عليه- وبعض العباءات البيضاء ليكتمل الحدث.. لا شيء يجمع بينهم سوى أراضٍ متلاصقة، وسياج شائكة، وابتسامة مصطنعة تشي بسعادة صديقين قبل موت أحدهما طعنًا من الآخر.

يقول العامل: "هل أسكب الشراب لهم أم عليهم!".. تقرع مطرقة على منضدة خشبية ويقول القارع: "بدء أعمال القمة، أهلا بكم".

الفصل الثاني: "حمولة زائدة"
كان يركض... لا هي أقرب إلى الهرولة، دوار خفيف يطوف برأسه، ثم يفتش نفسه على عجل: "كيف نسيت الدوا؟ لازم أمر أجيبه، بدناش ناكل بهدلة من الحجة".. اعتاد صاحب الصيدلية على مرور الشاب، يعرف الدواء الذي يمر يوميًا للسؤال عما إذا كان متوفرًا أم لا، واعتاد الشاب على الإجابة نفسها "مافي منه هالدوا، ماأظنش يتوفر قريب، هيك شايف المعبر مسكر طول الوقت، وإسرائيل بتتحكم بايش يدخل وايش لاء".. التقطت أذناه الجملة وتوكل على الله ليلاقي ما ينتظره من "بهدلة".

قال له صديق عابر في الطريق: "مالك مكشر، روح اسمع القمة شوي لتفرفش.. بضمنلك".

قيلولة النهار، كانت أكثر ما حمد الله عليه هذا اليوم.. هل نامت لتعفيه من حرج السؤال عن الدواء؟ هي فقط سئمت من المرض.. لم تكن من محبي "البهدلة" كما يظن، كانت أفضل من ذلك قبل التصاق الشظايا بجسدها.

تذكر وعد صديقه بالـ "فرفشة"، ولكن لم تهبه الكهرباء الضمان نفسه، كانت قد انقطعت.. لن تأتي الآن على كل حال.. راديو هاتفه يعمل: "نحن ملتزمون تجاه القضية الفلسطينية، التي لطالما كنا عونا لها وداعما أساسيا لنضالها منذ البداية، فليست الحدود وحدها هي من تربط بيننا، وإنما التاريخ، لذا لابد أولا من كسر الحصار المفروض على قطاع غزة من خلال فتح معبر رفح......".. بطارية الهاتف تبدي انفعالها وتذرف أنفاسها الأخيرة.

صوت الألم يئن في حنجرة العجوز، ينبعث من الغرفة: "ولك وين الدوا.. دبحني الوجع، الله لا يصبحه بالخير هالمعبر".

الفصل الثالث: "جنسيتك!"
صرخ بصوت لم يسمعه سواه: "لمن أكتب! لو لم تفهموا أني أجبرت على حملها فلمن أفعل"، قالت منسقة المؤتمر الأدبي: "لا نستطيع استضافتك، ليس مسموح بدخولك إلى البلد المستضيف، سيمنعونك.. فأنت بموجب الأوراق إسرائيلي".. لم يجادلها، قال بهدوء: "أنا أقلكم إسرائيلية، أنا أدناكم ولاء لهم".. وأغلق، ثم انغلق.

غازلته ورقة ميرمية صغيرة طافت على سطح كأس الشاي، راودته، فأخرجها ليكبح الحنين.. خاطبها: "لستِ مثلهم، قسموا جسدي، حملقوا في لون العين كي يتأكدوا أنني عربي، وحدك تعلمين دون حاجة إلى حبر أزرق.. متشابهون أنا وأنت، كوننا غصة في حلق المغتصب".

التلفاز من بعيد يؤكد في غضب: "نرفض سياسات التخوين التي تطال الفلسطينيين المقيمين في أراضينا المحتلة، والمسميات والألقاب المطلقة عليهم، مؤكدين فلسطينيتهم، ونطالب بتوفير الدعم لهم للصمود أمام آلة الاحتلال، فهم الغصة الحقيقية التي تؤرق جفونهم.. كما أدين بشدة الإجراءات الأمنية المشددة حول حرية تنقلهم بين الدول".

كانت ميرميته قد جفت من حزن الحديث، قررت الذبول، وقرر هو رؤية صاحب الوجه المتحدث.. وجده راعى المؤتمر الأدبي! 

الفصل الرابع: "متى نلتقِ؟"
حذرتهم من الإنصات كثيرا، قلت لهم: "لا تتركوا قلوبكم لتعلق بحكايا الجدة" نصحتهم ونسيت نفسي.. رحلت الآن، تركت لي شال كبير، برتقالة تحمل طيب يافا، زعتر وميرمية، وعشرات الحكايا، وأوصتني بزرع الزيتون في البلاد، فالمخيم ليس وطنا.

ماذا لو أنها خدعتني! لو أني تعاطيت وهم البلاد، أدمنته، هل هناك أمل بعد في الشفاء! قالت "بلادنا جنة، والجنة بريحة الزعتر والزيتون"، أقسم أني تعاطيت رائحة الجنة يوميًا، لها شذى كفيل بنقلك لتجلس في صدر دارك بالوطن، دون ختم وتصريح عبور للاجئين.. لا جنود يسكن الجنان ليسألونك عن هوية.

غضبي من المخيم كبير، ولكن ليس أكبر من سؤال نسيت تلاوته على الجدة الراحلة الباقية في الحكايا.. ماذا لو مر فرد من العائلة الساكنين في البلاد إلى جواري يومًا، ولم نتعرف إلى بعضنا ! من فينا يكون المخطئ، اللاجئ أم المحاصر! 

تطوع أخي بالإجابة: لا أنت مخطئ ولا هو، الخطأ في إمكانية التلاقي المستحيلة! "بطل أسئلتك وخلينا نسمع النشرة".. (لا مفاوضات وسلام حقيقية، دون تضمين حلول جذرية لأزمة اللاجئين الفلسطينيين في كل بقاع الأرض، على أن تكفل تلك الحلول الحرية والحياة الكريمة للاجئ).. كان لابد من إغلاق التلفاز على نشرته الكاذبة، بالفعل أغلقته.

الفصل الخامس: روح أم حجر !
"كم مأساة يجب أن نحمل لندرك أننا أشقياء؟"
كانت أضعف من جمع حطام القلب المهشم في باحة الأقصى، هناك حيث دم زوجها الشهيد، تركت جزءًا منه في ساحة الصلاة، وأهدت ما تبقى لشاب يشبه أباه.. هو الآخر فقد ما يملك من حياة على عتبة الدار، حيث تزاحمت الإنذارات، واحدة بالضرائب، وأخرى كهرباء رغم انقطاعها، وأخيرة للماء الذي لم يشربه في بيته قبل فترة.. "عمن نسدد ضرائب" سأل نفسه، لم يجب أحد سوى الصمت.

لم تستمع الأم، لن يفلح باستمالتها لترك الدار قبل إنذار الإخلاء القادم قريبًا لا محالة، قالت له: "مارح أترك القدس.. كل دار بها المدينة قدس".. لن يعلق في ذاكرتهما مشهد أبشع من جرافة تطيح حجارة قدسهم الصغير.. كان عليها ألا تثق بحديث المسئول الذي أكد (القضية الفلسطينية على رأس أولويات الملفات العربية، ونسعى لدولة فلسطينية عاصمتها القدس -الشرقية).

خاتمة:
يحفظ كل الحديث المباح، يردده قبل ناطقه الحقيقي، يعرف توزيع الأدوار على الرؤساء، كيف يتملق هذا ذاك، ومتى يرد ذاك على هذا.. حارس رئاسي تمرس على حضور القمم فحسب.. يصطنع الجمود أما داخله فغارق بالبكاء والمزح معا، ولكن يكابر.

لم يفعل شيئًا سوى المراقبة، اصطنع أنه لا يسمع لا يرى لا يتكلم، لا يشعر أيضًا.. استطاع طوال سنوات إخفاء رغبته الجامحة في القتل، كان يحمد ربه يوميًا على أن يديه لا تملك أذنًا لتسمع رغباته.. فقط ردد في نفسه "رصاصة واحدة لن تكفي.. يمكن أن تفي قصيدة بالغرض".

رأسه أدار صوت الشاعر:
"قمم قمم.. معزى على غنم
جلالة الكبش على سمو نعجة
على حمار بالقدم
وتبدأ الجلسة
لا
ولن
ولم
ونهي فدا خصاكم سيدي
والدفع كم ؟!
ويفشخ البغل على الحضور
حافريه
لا. نعم
وينزل المولود
نصف عورة
ونصف فم
مبارك.. مبارك
وبالرفاء والبنين
أبرقوا لهيئة الأمم
أم قمم".
الجريدة الرسمية