الانتحار السياحي!!
أحدهم غير نشاطه من فندق سياحى إلى مصحة نفسية، وآخرون أغلقوا منشآتهم، وفريق ثالث لا يزال يناطح حركة الجمود السياحى التي لم يعد لها مبرر منطقى، فالبلاد تحمل من المخزون الحضارى الإنساني ما لا يحمله بلد آخر، وبها شواطئ لا تضاهيها شواطئ في أبهي مواقع الكرة الأرضية، والإجراءات الأمنية بشهادة الممتنعين عن الحضور أصبحت عالمية في جودتها، والشعب المصرى معروف بكرم ضيافته ودفئه، كما لم يعرف شعب من قبله.
لا يزال الغموض يحيط بالملف السياحى، حيث يبدو أن المتحكمين في كعكة السياحة العالمية على مسافة متطابقة مع من يعملون بتخطيط العالم الجديد سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، غير أن هذا "كوم" وما يفعله المسئولون في بلادنا "كوم" آخر، ففى الوقت الذي يحتاج فيه القطاع الأهم اقتصاديا إلى دعم كافة أطراف المجتمع، لا يزال صناع القرار أبعد ما يكون عن النار التي تحرق القطاع بكل مفرداته.
يتصور القائمون على الأمر أن حلب البقرة سيدر لبنا، دون أن يفكروا جديا أن البقرة تعانى الحصار والجوع، ويحدق بها موت محقق.. يثير صناع القرار هواجس مخيفة لدى القطاع، كلما طرحوا ملف الضريبة العقارية على المنشآت السياحية، دون تدبر الأمر جديا، فالمنشآت السياحية -على ضخامة مساحاتها- عوائد استثماراتها الآن، قد تكون الوحدة الفندقية أقل عائدا من مطعم فول وطعمية على ناصية حارة بالقاهرة العامرة بزبائن الفول.
قالوا إنهم سيحسبون الضريبة علي، القيمة الدفترية فتقدر الضرائب على قيمة الأرض والمبانى، من واقع الميزانيات المعتمدة للفنادق والقرى، مضروبة في ٨٪ كعائد للاستثمار، وقالوا إنهم سيحسبون الضرائب على القيمة الاستبدالية بنقدير قيمة المبانى بأسعار هيئة التنمية السياحية دون فرش وديكورات، وتقدير قيمة الأرض المستخدمة بنسبة ١٥٪ واحتساب معدل الاستثمار بنسبة٦٪، غير أن أحدهم لم يقرر القرار الصحيح في مثل ظروفنا السياحية، ويعلن صراحة عن تجميد هذا الملف تماما الآن.
القطاع السياحى ضحية ظروف إقليمية ودولية، وليس بمعزل عن ملف السياسة، وصياغة خارطة جديدة للعالم فلماذا يدفع وحده الثمن؟ وهل هو قادر بالفعل على دفع الثمن؟ وإذا كان متخذ القرار يفكر فيما ستجنيه الضريبة العقارية ألم يفكر فيما ستجني عليه من ضحايا، وخروج نهائى من سوق، يمكنه أن يستعيد نشاطه بين يوم وليلة عندما تفك طلاسم الموقف الدولى من السياحة في مصر؟
اتصور أن وزير السياحة بحاجة إلى جماعات ضغط من مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والبرلمان وقادة الرأى، واتحادات العمال، والغرف السياحية والفندقية، وكل من له علاقة بالقطاع، خاصة وأنه يتمدد ليصل إلى أكثر من أربعين صناعة في البلاد.. الوزير بحاجة إلى ضغط شعبى، يكشف خطر حصار المستثمر السياحى الذي تحاصره القرارات الغريبة الآن، دون وازع من ضمير وطنى، أو رؤية مستقبلية تدرك حجم الخطر المحيط بصناع السياحة في مصر.
وزير السياحة بحاجة إلى ضغوطات يمارسها الجميع، حتى يستطيع أن يتفاوض مع حكومة هو أحد أعضائها.. لابد أن نذكر صناع القرار بحجم الأعباء التي يعانى منها المستثمر السياحى، وما يمكن أن يجنيه العامل والفلاح والمواطن العادى من توقف تام في حركة النشاط.. الموت السياحي خطر كبير على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادى، وإن لم ندرك ذلك فإننا سنكون بمثابة من ينتحر!!