محمود رمضان يكتب: السلام في بحور الدم
الوطن العربي منقسم ومشتت ومع كل قنبلة تزداد الجراح في سوريا ومع كل طلعة جوية تصرخ الأمهات والأطفال والشيوخ في اليمن من هول المنظر، ومع كل تفجير لعبوة ناسفة يتقسم العراق ويتشرذم، ومع كل تحرك لدبابة تتفتت أرض المختار ليبيا.
أصبح الوطن العربي بلا ألوان يختار منها الأطفال المستقبل وأرغموا على لون واحد وهو اللون الأحمر لون الدماء والدمار في كل ربوع الوطن العربي.
أضفنا إلى جراح الوطن العربي جرحا جديدا وعمقنا فكرة الكراهية بتدخل السعودية في أرض اليمن مع تحالف عربى أطلق عليه عاصفة الحزم حتى المسميات للقتل صناعة أمريكية، الصراع الدائر في الأراضي اليمنية يصب في المصلحة العليا لدولة إسرائيل عن طريق إلهاء العالم العربي عن العدو الحقيقي والدخول في صراعات من أجل السلطة أو إرغام المواطنين على السلطة تحت ستار الشرعية وتحقيق الاستقرار والديمقراطية.
ومن الأسباب المعلنة للتدخل السعودي في الأراضي اليمنية دعم شرعية الرئيس هادى وإنهاء الانقلاب الحوثي المتحالف مع الرئيس السابق وإنهاء التهديد الإيراني المتمثل في دعم الحوثيين، هذه هي الأسباب المعلنة في ذلك الوقت ولكن:
هل تحقق هدف واحد من هذه الأهداف ؟
إذن فالنتيجة هي فشل عاصفة الحزم.
تعالوا معى إلى جولة داخل الصراع العربى الدائر على أرض
اليمن، التحالف العربي مكون من عدة دول عربية السعودية تشارك بأكثر من 100 طائرة مقاتلة وأكثر من 150 مقاتلا ووحدات بحرية، الإمارات 30 طائرة مقاتلة، الكويت 15 طائرة مقاتلة، البحرين 3 طائرات مقاتلة، قطر 10 طائرات مقاتلة، الأردن 6 طائرات مقاتلة وكذلك المغرب 6 طائرات مقاتلة والسودان 3 طائرات مقاتلة.
لا اصدق أن كل هذه الطائرات حلقت في السماء من أجل تحقيق السلام ودعم الشرعية في اليمن، كنت أتمنى أن يكون هذا التحالف الغرض منه توجيه ضربة عسكرية للعدو الحقيقي إسرائيل، ولو تحركت نصف هذه الطائرات إلى فلسطين لحررت القدس قبل أن ترجع هذه الطائرات إلى قواعدها.
هذا هو حال الوطن العربي يتفق من أجل إشعال الصراعات وزيادة المحن والمعاناة ولا يتفق أبدا من أجل تحرير الأوطان وإقرار العدل.
القارئ الجيد للتاريخ لن يضيف هذا الواقع المؤلم له بجديد لأنه تكرار لماضي الذل والمهانة الغارق في وحل الاستعمار ونحن الآن نعيد الماضي بكل سلبياته.
التكلفة الاقتصادية والمالية للتدخل السعودي في اليمن وفقا للاحتياطي السعودي لدعم العمليات العسكرية خلال العامين الماضيين 100 مليار دولار هذا الرقم كان كفيل بإعادة إعمار سوريا من جديد ولكن نحن ندفع من أجل الدمار ونظن أننا بذلك نقر الشرعية والسلام وأضفنا شرخا جديدا في جدار الوحدة العربية وتوتر في العلاقة بين بلدين شقيقين وجرائم حرب لن ينساها الشعب اليمني ولن تسقط بالتقادم.
العمليات العسكرية التي تقودها السعودية وضعتها في انتقادات من المجتمع الدولي وهناك تقرير من الأمم المتحدة في 28 يناير 2017 أكد أن " التحالف العربي بقيادة السعودية نفذ هجمات في اليمن قد ترقى إلى حد جرائم الحرب".
ما زلنا نكرر أخطاء الماضي ولا نقرأ ولا نفكر كيف نعمق فكرة الحوار لإقرار السلام ونلجأ إلى الخيار الصعب وهو الحرب ونظن أنه الطريق السهل ونصطدم دائما بالواقع المؤلم وهو إقرار العداوة بين المواطنين والدخول في صراعات دائمة من شأنها توسيع الفجوة بين دول الوطن العربي وتحميل الجيل القادم نتائج عدم التصرف بحكمة من الحكام العرب وتحميله ما لا يطيق في المستقبل.
اليمن حاليا وصل إلى حد المجاعة فهناك 16 مليون مواطن غير قادرين على إطعام أنفسهم وهولاء يشكلون 60% من سكان اليمن، التحالف العربي ضل الطريق فبدلا من التوجه إلى المبادرات السلمية حقنا للدماء توجه إلى الحروب وإشعال الصراعات وبدلا من أن يحل الأزمة السورية أشعل أزمة أخرى في الأراضي اليمنية وبدلا من أن يساعد العراق وليبيا في التصدي لتنظيم داعش أضاف لهم مرتعا جديدا وبيئة حاضنة ومهيأة للتطرف.
كنا في الماضي نقول إن الوطن العربي على حافة البركان اليوم نحن في وسط البركان لا نعرف شكلا ولا عنوانا للمستقبل في ظل الصراع الدائر فنتمنى أن يفيق الحكام العرب ولا يبحثوا عن "السلام في بحور الدم" فعليهم أولا تجفيف هذه البحور والمساعدة في البناء والجلوس على مائدة الحوار من أجل الأجيال القادمة.
حفظ الله الوطن العربي..