أبو مازن.. والنيران صديقة!!
الذين قادوا هجومًا على بعض مواقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، في وسائل إعلام مصرية لا يدركون الحجم الحقيقي للعلاقات المصرية الفلسطينية، ولا يعرفون طبيعة هذه العلاقات الأزلية، ولا يعلمون أن الرؤى الضبابية بين البلدين لا يمكن حلها وفق أجندة الهجوم الإعلامي على بعض المواقف، إذ إن الأصل في هذه العلاقات لا يخرج عن كونها علاقات مصيرية، فكلا الطرفين يعلم أنه لا يمكن أن يستمر الخلاف بين قادة البلدين مهما بلغ حجمه.
وعلاقة مصر بالقضية الفلسطينية ليست علاقة اختيار فمنذ بدايتها وحتى انتهائها ستظل علاقة الاختيار الإجباري ليس لأننا أمام علاقات سياسية أو اقتصادية بين بلدين عاديين، فالجغرافيا السياسية تفرض على الطرفين التلازم مهما كانت الأوضاع.. مصر دفعت وعلى استعداد أن تدفع المزيد من الدماء من أجل قضيتها الأم قبل أن تكون قضية العرب الأم، ولذا فقد حذرنا من فكرة التناول الطائش لبعض وسائل الإعلام المصرية لمواقف بعينها خاصة بالرئيس الفلسطيني.
وتاريخ الرئيس أبو مازن مع الإعلام المصري له خصوصية، حيث يحرص الرجل في كل زيارات أن يجتمع بعدد من الصحفيين والإعلاميين في جلسات مصارحة تهدف إلى وضع النقاط على الحروف أمام وسائل الإعلام المصرية، وتتسم هذه الاجتماعات بمصارحة مفيدة لكل المهتمين بالشأن الفلسطيني، وقد حرص أبو مازن ولا يزال يحرص على هذا التقليد الذي يحمل دلالات مهمة إزاء اهتمامه بضرورة إحاطة إعلاميي مصر بالحقائق الكاملة حول ما يجرى على الساحة الفلسطينية والعربية.
وأظن- وبعض ظني ليس إثما- أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئيس أبو مازن لزيارة القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية قطع الطريق أمام المتورطين في الإساءة إلى أبو مازن، وأعاد الأمور إلى نصابها، حيث الحوار ولا شيء غير الحوار، إذا ما كانت هناك أمور معقدة تحتاج إلى حوار دافئ بين الرئيسين.. القاهرة تدرك أن أبو مازن هو الرئيس الشرعي الذي يجب علينا دعمه في معاركه من أجل قضيته وقضيتنا.. وللرئيس أبو مازن مواقف عدة تؤكد إدراكه جيدًا للدور المصري، فلم يجر هنا أو هناك خلف بريق زائف، كما فعلت بعض التيارات الفلسطينية، وكان له موقف واضح من تورط حماس في شراكتها لجماعة الإخوان الإرهابية، وأعلن عن ذلك صراحة.
وأبو مازن مناضل فلسطيني له من التاريخ ما يجعله قادرًا على الفصل بين الغث والسمين، ويدرك جيدا الفارق بين النضال بالحناجر والنضال بالدم؛ ولأننا كنا ولا نزال نحفظ القضية في قلوبنا شعبًا وجيشًا وحكامًا فإن مناقشة أية خلافات في وجهات النظر يجب أن تمضي عبر الحوار والحوار فقط.