إبراهيم محلب.. من يعمل كثيرا يخطئ كثيرا !
ظن بى المهندس إبراهيم محلب ظن السوء، وعلى ظنه أسامحه لإيماني أنه قدم لبلاده الكثير، ولا يزال لديه طاقة تمنحنا المزيد، وسبب ظنه السيئ بي ما كتبته الأسبوع الماضى حول مستثمر زرع أرضًا كانت قاحلة، فلم يجد من يساعده على المضي قدمًا إلى ما هو أبعد من ذلك، وفور النشر اتصل بى الصديق أحمد أيوب، الكاتب الصحفى النشيط، وهو في ذات الوقت المتحدث الرسمى باسم لجنة استرداد أراضى الدولة، وقال كلامًا مهمًا حول القضية آثرت أن يأتينى مكتوبًا في رد من اللجنة، غير أن المراد تأخر في الوصول، فآثرت أن أتناول المهندس إبراهيم محلب في هذا المقال بما هو ليس مدحًا.
الذين يعملون كثيرًا يخطئون كثيرًا.. هذا هو ما ينطبق على المهندس إبراهيم محلب، رئيس وزراء مصر السابق، ورئيس لجنة استرداد الأرض الحالي، فقد تولى مسئولية رئاسة الوزراء في وقت عصيب، وأدى أداءً مميزًا، نال استحسان البعض، وأغضب آخرين غير أن الأيام أثبتت أن "حركته كانت بركة" حرمنا منها عقب تولى المهندس شريف إسماعيل الملقب بالرجل الصامت، أو بالأحرى الرجل "الساكن"!!
وإبراهيم محلب يعمل لساعات طويلة، لا تتوافق مع سنه، وهو ما قد يجعله في بعض الأمور قليل التركيز بحكم الأداء البيولوجى للإنسان في مثل سنه، غير أن محاولاته لا تتوقف في مجال تحسين الأداء، ومربط الفرس في خلافه حول ما نشرته يقع في دائرة الاجتهاد، وللمجتهد نصيبان إذا ما صح اجتهاده ونصيب إذا لم يوفق، ونظن أننا والمهندس إبراهيم محلب نجتهد فيما نرى، وله ولنا الأجر على فكرة الاجتهاد.
أنقل للمهندس إبراهيم محلب واحدة من تجارب الخصخصة في ألمانيا، بعد هدم سور برلين، عندما وجد الغرب أن آفة الإدارة العقيمة تسكن شركات الشرق، فقرروا خوض تجربة الخصخصة، ولكنهم سألوا أنفسهم سؤالا مهمًا: لماذا نبيع الشركات؟ كانت الإجابة هي الفلسفة التي اتبعتها ألمانيا في برنامجها، الذي اعتمد على أن الهدف هو الإضافة إلى الناتج القومى، واستيعاب عمالة جديدة، والنهوض بالإدارة الحديثة في شركات الشرق.
درسوا كل شركة على حدة، وباعوا أكبر شركة ألومنيوم بواحد مارك.. نعم واحد مارك فقط.. اشترطوا على المشترى برنامجًا إصلاحيًا مكلفًا للغاية.. وقعوا عقد البيع الابتدائى، وبدءوا في مراقبة خطط التطوير، وكلما نفذ رجل الأعمال بندًا حصل على نقطة، حتى انتهى من البرنامج كاملا، وأضاف إلى الإنتاج القومى ما كان مخططًا له.. ساعتها حصل على العقد النهائى لأكبر شركة ألومنيوم.
إذن الهدف هو الإنتاج وليس جباية الأموال، ولهذا نقول: إذا أراد المهندس إبراهيم محلب جمع أكبر قدر من الأموال الآنية، فليس عليه إلا البيع.. والبيع فقط دون شروط، وساعتها يستطيع أن يجمع من الأموال ما لا يستطيع حصره، ولكن الهدف هو فلسفة البيع، فلسفة بقاء الأرض مع حائزها أو استردادها منه، من زرع من حقه أن يحصد، ومن لم يزرع فلندرس حالته، ونضع له شروط الإضافة إلى الناتج القومى.
على أن مشكلة مصر ليست في ٣٠ ألف فدان هي موضوع مقالى العدد الماضى.. مشكلة مصر في ملايين الأفدنة التي يسكنها الفراغ والوحشة، مشكلة مصر فيما هو باق دون تطوير، دون زرع، دون صناعة، دون تعمير، دون عمل حقيقي، دون جهد ينقلها من خانة الفراغ إلى خانة ضجيج آلات الحصاد والتصنيع والعمل الشاق، مشكلة مصر في الأراضى التي لم تزرها فأس فلاح، أو آلة صانع أو بناية بناء.
هذا هو خلافنا مع المهندس إبراهيم محلب، نحن نسابق الزمن لكى نشجع منتجًا، وهو لا يجب عليه أن يسابق الزمن لمجرد جمع الأموال فقط، فالوظيفة الاجتماعية والاقتصادية لكل مزرعة أكبر من قيمتها المادية بكثير.. فلسفة لجنة استرداد الأرض يجب أن تقوم على فكرة تشجيع كل من زرع، وتذليل العقبات أمامه مهما كلفنا الأمر، ولا يجب أن يكون شعارها جمع أكبر قدر من الأموال، ويكفى أن نذكر سيادته أننا نخسر كل ساعة ثلاثة أفدنة ونصف الفدان من أرض الوادى؛ بسبب التعدى على الزراعة، وهو ما يفرض علينا أن نزرع كل ساعة سبعة أفدنة حتى لا نصبح كما نحن الآن عالة على العالم، وفاقدي القدرة على إنتاج ما نأكل.