رئيس التحرير
عصام كامل

الجياع لا يقومون بثورات!


لقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عما يمكن أن نطلق عليه ثورة الجياع، وقد أكون من بين من استخدم المفهوم غير المنضبط مرات ومرات في مقالات سابقة، محذرا السلطة السياسية الحاكمة من أن استمرار سياسات الإفقار للغالبية العظمى من المصريين سوف تدفعهم إلى موجة جديدة من الثورة، ستكون هذه المرة ثورة جياع تقتلع معها الأخضر واليابس، لكن من الواضح أن السلطة السياسية الحاكمة لا تعير أي اهتمام لهذه التحذيرات المخلصة لوجه الله والوطن، لأنها اعتادت على أن انشغال الفقراء بلقمة عيشهم تجعلهم أكثر بعدا عن التفكير في الثورة.


وبالطبع هناك من يفكر ويخطط للقائمين على السلطة، ويمنحهم النصائح التي يجب أن تسير سياساتهم وفقا لها، ومن بين هؤلاء من نطلق عليهم مثقفى السلطة، الذين ينصحون صانع القرار بأن يسير على نفس سياسات الإفقار، لأن الجياع المشغولون بلقمة عيشهم لا يثورون، إنما يثور نيابة عنهم أبناء الطبقة الوسطى والمثقفون المؤمنون بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، لذلك عليه أن يضيق الخناق على هذه الطبقة وأبنائها ليدفع الغالبية منهم إلى السقوط من فوق السلم الاجتماعى، واللحاق بالطبقات الفقيرة الجائعة، فينشغلوا بفقرهم عن التفكير في الثورة، ويحول مثقفيها إلى تابعين له مستفيدين ببعض منحه، ومن يرفض يتم التنكيل به وتشويهه ووصمه اجتماعيا، ليبتعد عن التفكير في الثورة، وإن لم يتعظ ويتراجع قد يكون مصيره التنكيل والاعتقال والسجن.

وأى نظرة سريعة ومتفحصة لتاريخ الثورات في العالم، ستثبت صحة طرحهم، فالجياع لم يقوموا يوما بثورة، فأصحاب البطون الخاوية لا يفكرون إلا في الطريقة التي يمكن أن يملأوا بها هذه البطون، أما من يفكر في التغيير والإصلاح والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية فهم أصحاب البطون الممتلئة، لذلك لا عجب أن تكون الطليعة الثورية في تاريخ الثورات في العالم هي من الطبقات والفئات والشرائح المستورة وليست الجائعة، إذن هناك مبررات واقعية ومعطيات تاريخية تجعل القائمين على السلطة السياسية يقتنعون بأن الجياع لا يقومون بثورات، وأن أبناء الطبقة الوسطى الأكثر شبعا وتعليما وثقافة هم من يقومون بالثورات، لذلك يجب على السلطة أن تقوم بإفقارهم وإلحاقهم بطوابير الجياع حتى تمنع أي تفكير في القيام بالثورة.

وإذا كان هذا الطرح به ما يجعل القائمين على السلطة يستمرون في سياسات الإفقار للغالبية العظمى من المصريين، مطمئنين أن الجياع لم ولن يقوموا بثورات، وأن أبناء الطبقة الوسطى منقسمين على أنفسهم، ولا يمتلكون الوعى الطبقى الذي يمكنهم من القيام بالفعل الثورى في اللحظة الراهنة، والدليل على ذلك فشلهم مرتين متتاليتين الأولى في 25 يناير، حيث قاموا بالثورة ثم تركوها لفصيل إرهابى لا يؤمن بالثورة أو التغيير الجذرى، والثانية في 30 يونيو حينما قاموا بالثورة ثم تركوها للفاسدين من أنصار النظام القديم الذي قامت ثورة يناير من أجل الإطاحة بهم، فعادوا ليحكموا من جديد ويستمرون في سياسات الإفقار والتجويع، بل والانتقام ممن قاموا بالثورة ضدهم.

هنا يجب أن تعى السلطة السياسية الحاكمة أنها وإن كانت قد تفهمت جيدا كيف يتم إجهاض الثورات والالتفاف عليها وإفشالها ومنع الطليعة الثورية من القيام بها، إلا أنها لم تع ماذا يمكن أن يفعل الجياع، فالجياع فعلا لا يقومون بثورات، لأن الثورة تحتاج إلى عقل مفكر ومدبر ومخطط وطليعة ثورية قادرة على قيادة الجماهير، ونشر وعى طبقي حقيقي يمكنهم من القيام بالثورة، ثم الاستيلاء على الحكم، وهذه الطليعة الثورية دائما ما تكون من أصحاب البطون المشبعة، حتى يمكنها أن تعمل عقلها، فالتراث الشعبي به العديد من الأمثال التي تؤكد على ذلك، ولعل المثل الأكثر شيوعا وانتشارا هو "إذا جاعت البطون غابت العقول" وهنا مكمن الخطر.

فالجياع يفتقدون للعقل، وبالتالي النتيجة الطبيعية وراء غياب العقل هي الإتيان بأفعال مجنونة وغير متوقعة، وغالبا ما تكون فوضوية، ولعل انتفاضة الخبز في 1977 خير شاهد وخير دليل، فهى هبة جياع عفوية غير عاقلة، حتى ولو حاولت بعض القوى العاقلة ركوبها، وضبط حركتها إلا أنها في النهاية أشاعت الفوضى، وكادت تدمر المجتمع، لذلك لابد أن يعي القائمون على السلطة خطورة الجياع، لأنهم قوى غير عاقلة على عكس من يقومون بالثورات، فالثورة هي عملية تغيير واع لا يفضى للتدمير، على عكس حركة الجياع فهى غير العاقلة تفضى إلى الفوضى والتدمير، وتأخذ في طريقها الأخضر واليابس، لذلك لابد من الإسراع في احتوائها عبر سياسات اقتصادية واجتماعية، تحقق للغالبية العظمى من الشعب المصري العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية