مطاردة مستثمر بتهمة اللجوء إلى الرئيس
يقول المولى عز وجل في سورة «عبس»: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) الآيات: من 24 إلى 32. ويقول في سورة «يس»: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ)، الآيات: 33-34-35. وقال تعالى في سورة «الأعراف»: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)، الآية: 56.
والأحاديث النبوية التي تدفع إلى الزراعة، وتحث عليها أكثر من أن تحصى، غير أننا أمام حالة من حالات الظلم البين.. حالة مريبة وغريبة ومثيرة.. فالدولة التي تسعى إلى زراعة مليون ونصف المليون فدان كما جاء في برنامج الرئيس الانتخابي، هي ذاتها الدولة التي تفسد أرضا بعد إصلاحها، نعم تصدر قرارات بقتل الزرع للناس، وتسعى فيها فسادا لا لشيء إلا لأن موظفا متجبرا قرر أن يطارد أحد المستثمرين بتهمة استصلاح الأرض.
بعد نشر مقالي «سحر نصر.. ميلاد جديد»، والذي تناولت فيه بإيجاز بعض حالات التعسف الإداري والروتين والفساد، وكل آفات مطاردة المصلحين في الأرض، جاء صوت صديقي متأثرا عبر الهاتف، مؤكدًا أنه أرسل لى ملفًا، مختزل التعبير عنه بأنه تحد صارخ لما يسعى إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يسابق الزمن في قضية الحفاظ على الأرض الزراعية، بداية من حمايتها من العبث، ونهاية ببرنامجه الطموح لاستصلاح مليون ونصف المليون فدان.
قال الرجل: إن الملف لا يخصه وإنما يخص رجلا مصريا آمنا منذ زمن طويل بأن أول مبادئ التضحية هو بذل الجهد والعرق من أجل العمل والإنتاج، فحصل على موافقة هيئة عمليات القوات المسلحة، وعلى كافة الموافقات الأخرى لاستصلاح أكثر من ثلاثين ألف فدان على بعد أكثر من أربعين كيلومترا من الطريق الصحراوي، وبدأ الرجل في مد الطرق، وحفر الآبار، ومد شبكات الري، واستصلح بالفعل ١٩ ألف فدان، زرعها بكل خيرات الدنيا ونجح مشروعه.
طاردته أيادي العبث، وراوغته آلة الروتين الرهيبة، ووضعت في طريقه العثرات، غير أنه مضى غير عابئ بما يفعلون، اتهموه باغتصاب أرض الدولة، وأحالوه إلى الكسب غير المشروع.. حُفظ التحقيق لأن القضاة أيقنوا جدية الرجل.. أحالوه إلى نيابة الأموال العامة التي حفظت بدورها التحقيق، لأنها ارتأت أن الرجل جاد في مشروعه، أقام دعوى قضائية، وحصل على حكم قضائي بأحقيته في الأرض، بعد أن قالت فيه المحكمة حيثيات حكم تدرس في المنطق والنزاهة والعدل.
كل هذا لم يشفع له، ولم يقنع مطارديه بالتوقف، استغاث بالرئيس، فوجهت الرئاسة خطابا إلى وزارة الاستثمار، التي طالبت لجنة استرداد الأراضي بالتوقف عن أية إجراءات من شأنها العبث بحقوق الرجل، فكانت الطامة الكبرى.. ضيقوا عليه الخناق أكثر لأنه لجأ إلى الرئيس، وزادت مطارداتهم له.. قالوا له عن الحكم القضائي: «… واشرب ميته»، وقرروا معاقبته بوضع سعر للفدان أكثر من ٣٠ ألف جنيه.. عاملوه وكأنه تسلم الأرض مزروعة، وممهدة بطرقها.. اعترض الرجل على السعر فكانت الطامة أكبر.
طلبوا إزالة ما اسموه تعديات على ممتلكات الدولة، انطلقت القوات لتنفيذ ما طلب منها، هناك وجد رجال القوات المسلحة جنات غناء رفضوا الاقتراب منها، لم ينصاعوا لأمر التخريب والتدمير، بناء على تعليمات من السيد الفريق محمود حجازي رئيس أركان القوات المسلحة.. فرفضوا إزالة أي شجرة.. فكيف يزيلون أشجارا أنعم الله بها علينا؟! وهم البناة الذين يعرفون قدر الحياة، وقدر العمل، وقدر الجهود التي بذلها صاحب الأرض.. حسنا فعلت قواتنا المسلحة عندما رفضت قرارا تعسفيا ظالما.
وعلى الرغم من براءته أمام الكسب غير المشروع، وبراءته أمام نيابة الأموال العامة، وحصوله على حكم قضائي واجب النفاذ، إلا أنهم اتهموه زورا أمام القضاء العسكري بأنه سب المهندس إبراهيم محلب، وبالفعل تم القبض عليه، إلا أن المهندس إبراهيم محلب تنازل عن بلاغه، وعاد الرجل إلى داره منتظرا قرارا عادلا يحميه من غطرسة موظفى اللجنة التي لم تتوقف حتى الآن عن مطاردته.
لم يتوقف الظلم ضد الرجل، ورغم كل القرارات أعلنوا عن بيع ثلاثة آلاف فدان بالمزاد العلني، وباعوها فعلا بعد تقسيمها إلى قطع صغيرة.. المثير أن كل الأراضي المحيطة بالرجل لم يقترب منها أحد، والأكثر إثارة أن كل المعاينات أثبتت أن الرجل لم يبتن له ولو دارا صغيرة، وسط الـ٣٠ ألف فدان تم ترفيقها بالكامل بالكهرباء، والطرق، وشبكات الرى، وأعمدة الإنارة مما يوحى بوجود حالة عداء شخصي، بسبب لجوء الرجل إلى مؤسسة الرئاسة، ورغم تنبيهات وزارة الاستثمار لرئيس المصالح الحكومية، وعضو اللجنة بالتوقف تماما عن أية إجراءات فإنه قرر طرح أربعة آلاف فدان أخرى للبيع بالمزاد العلني.. كل هذا والرجل حبيس آلامه وهمومه.. تنهشه أظافر الظلم، وتأكله أسنان القهر، دون أن يجد من يحميه.
لسان حال الرجل يردد: «إن مصر كلها فرحت أيما فرحة، وسعدت أيما سعادة عندما انتقلت كاميرات الفضائيات تنقل للناس أولى بشائر زراعة عشرة آلاف فدان بالفرافرة، وأنا هنا اجتهدت وزرعت بمفردي كل هذه المساحة، فتكون المطاردة نصيبي؟».. الرجل لم تنصفه إلا مؤسستا الرئاسة ووزارة الدفاع التي رفض رجالها إزالة المزروعات، بينما لا يزال التعنت والظلم والقهر سيد الموقف.. والمستثمر لا يعرف إلى من يلجأ ؟!!