ليست إلا وعاء
كعادتها كل يوم استيقظت، نهضت من الفراش، على أطراف أصابعها قامت تخطو خطوات بسيطة لكنها ملأى بالنشاط والحيوية، كان أذان الفجر يشق عنان السماء، أخذت تردد مثلما يقول المؤذن، وحين انتهى من الأذان كانت هي تتمم: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» بعد أن فرغت من الوضوء، ثم أحضرت سجادتها وجلست تناجي ربها في خشوع وتذلل: «اللهم اعط ابني ما يتمنى إنه لا يعجزك»، ثم شرعت مرة أخرى في الدعاء «اللهم أعط ابنتي مما تتمنى فإنه لا يعجزك شيئًا أنت قيوم السماء والأرض»، ثم نهضت من فورها إلى مطبخها تجهز طعام الإفطار، وما هي إلا دقائق معدودة حتى استيقظ ابنها، ثم توجه إلى المطبخ باحثًا عن طعام..
هناك وجدها واقفة تعد الطعام في يدها ثم وقف يداعبها من خلال تناول الطعام خلسة، وكانت كلما تنظر في الإناء لا تجد شيئا، لكنها فطنت إلى أن ابنها بدأ يمارس عادته معها في التهام الطعام، فكرت كثيرًا ماذا تفعل فطلبت منه التوجه إلى الحمام، اصطنع الذهاب لكنه لم يفعل بل اختبأ خلف أحد الحوائط، ولاحظت هي ذلك لكنها لم تبد أي ملاحظة بل اصطنعت التغافل، وكان هذا عادتها حتى لا تتسبب في إحراجه، بينما دخلت شقيقته عليهما وفضحت ألاعيبه، شعر بالخجل فانصرف، لكنها لم تشأ أن ينجرح أمامها، فذهبت خلفه تواسيه وكأنها لا تعرف شيئا، دخلت أخته عليهما احتضنتهما بحنان الآن وأخذت تداعبهما، وطلبت منهما أن يجتهدا في دروسهما حتى يحققان لها ما كانت تتمناه فقد كانت تتمنى أن يصبح هو مهندسا بينما تصبح ابنتها طبيبة.
مرت السنوات واجتهد الابنان في دراستهما واستطاع الابن دخول كلية الهندسة بينما التحقت الابنة بكلية الطب لكن شاءت إرادة الله أن يداهم الأم المرض، أخذ الابنان يبتهلان إلى الله حتى تشفى الأم وكانت نصف متمسكة بالحياة لترى اليوم الذي يتخرج فيه ابناها، وكلما اقترب يوم التكريم كانت صحتها تنزوي رويدا رويدا، وبينما كان الابنان منشغلين بالإعداد لحفلات التخرج كانت هي تستعد للقاء آخر مع ربها.
هذه حكاية أحد المهندسين الشباب كان يجلس إلى جواري في المترو رواها بعد أن سمع أحد الأبناء يتكلم بطريقة مستفزة عن المرأة عمومًا والأم خصوصًا فقد قال فيما قال: «إن المرأة ليست إلا وعاء» فانتفض المهندس الشاب لهذه الكلمات وكادت تحدث مشاجرة بينهما لولا تدخل بعض العقلاء، وحين هدأ الغضب عنه اعتذر لانفعاله وأخبرنا أنه ذاهب لزيارة قبر أمه في إحدى المحافظات!!