رئيس التحرير
عصام كامل

ما بين وفاة والدي ووالد أبو تريكة وشريط الذكريات..!!


في 20 سبتمبر من عام 2007 حضرت إلى الدوحة كأول يوم لي في تجربتي الصحفية الجديدة، وفي 30 أكتوبر من نفس العام أي بعد 40 يومًا توفى والدي رحمة الله عليه.. وتم إبلاغي في مساء نفس اليوم، بعد دفنه ولم أستطع النزول إلى مصر، ولكن بسبب الوصية التي تركها لوالدتي بعدم نزولي وقراءة الفاتحة على روحة من الدوحة، حيث كان دائمًا مشغول براحتي حتى قبل مماته بأيام قليلة.. فهو وفقًا لرواية والدتي إذا توفى فإن نزولي لن يغير من الأمر شيء، وبالتالي من الأفضل أن أظل في عملي وأقرأ له الفاتحة خاصة أنه كان أحد الضاغطين عليا بقوة للموافقة على السفر خلال هذه الفترة.


تذكرت هذا الشريط من الذكريات بالأمس، بعدما توفى والد اللاعب النجم محمد أبو تريكة – مع الفارق في التشبيه وإن كان مكان تواجدنا واحد – حيث لم يستطع النزول لحضور جنازة والدة لظروف يعلمها الجميع.

ومن خلال المتابعة لكل ما أثير خلال الساعات الماضية، فإن والدة أبو تريكة وأشقاءه طالبوه بعدم النزول إلى مصر، وهو ما يفسر هذا الكم الكبير من الحنان الأسري تجاه الأبناء حتى لو كان المقابل حزن وآلم وتأنيب ضمير.

في مثل هذه المواقف الصعبة تتجسد كل معاني الإنسانية وتعلو كل معاني الرحمة والمغفرة.. فالموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذه الدنيا.. ومهما تكن المبررات المقنعة في اتخاذ قرار عدم العودة من السفر لحضور جنازة أو عزاء أغلى ما تملك في هذه الدنيا سواء أب أو أم أو شقيق أو ابن، إلا أن آلم تأنيب الضمير ولعن مبررات الظروف تظل ملازمة لصاحب الموقف طوال حياته، خاصة إذا كان هذا المتوفى بمثابة أغلى الناس.

وما يخفف من عذاب الآلام النفسي لصاحب هذه الظروف هو رضاء من توفى عن من منعته الظروف لحضور جنازته أو عزاه.. ومهما وصل بالإنسان بكتابة أفضل وأعزب الكلمات في رثاء المفقود، إلا أن ما في الوجدان أقوى وأصعب ولا توجد لغة في العالم تستطيع التعبير عنه.. وهو ما يؤكد أن لا يشعر بنفس الآلام إلا من عاش فيها وجربها واكتوى بنارها.

ومن خلال هاتين التجربتين وتجارب أخرى كثيرة مماثلة يتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الغربة ليست غربة مكان لأنك قد تجد في المكان الذي أنت مغترب فيه أشخاص أفضل بكثير من الذين تركتهم في موطنك، بل وقد تجد أيضًا ما يجعلك لا تشعر بأنك في وطن ثاني.. ولذلك فالغربة الحقيقة هى غربة الأحباب.. هى اختفاء من نحبهم عن الدنيا.. وما بين غربة الأوطان التي يعيشها الكثيرون وغربة الأحباب التي اكتوى بنارها الكثيرون يوجد كثيرون أيضًا لا علاقة لهم بكل معاني الإنسانية.. هم من يستغلون الموت للمتاجرة به أو حتى على الأقل الاستهانة به وبآلامه.. رحم الله والدي ووالد أبو تريكة ورحم الله جميع موتانا!!
الجريدة الرسمية