نقابة قوية.. على أعداء الحريات «مفترية»
أنتمى إلى جيل كان الالتحاق بالعمل الصحفى حلما بعيدا، كان يتخيل أن الصحفى ربما يكون خلقا آخر، فهو من يتحمل عبء مسئولية الكلمة، وهو من يكتب الحق في مواجهة الحاكم، هو من يتصدى للظالم بقوة وجرأة، الصحفى لا يخشى السجن حتى لو دفع عمره للدفاع عن معتقداته الفكرية، وكثيرا من أحلام أشبه بالحلم النقى الرومانسى للشباب في سن المراهقة.
وعلى مدى ما يزيد على الأربعين عاما تغيرت الكثير والكثير مما كنا نحلم به، لم تعد الصحافة كما حلمنا وعشقنا الأهم، كنا نذهب للتعلم ولا نضع في أذهاننا أن هناك مقابلا، لأننا سنتعلم شيئا نحبه ونعشقه، ويكون أعظم أمانينا أن نرى اسمنا قد نشر على خبر أو تحقيق فهذا هو أعظم مكافأة يمكن أن نحصل عليها، ولكن تغيرت الحياة وكل شىء، وحتى نهدأ قليلا من روعنا نطمئن أنفسنا ونقول لكل زمان وله رجاله وأدواته وعلينا أن نتقبل هذا.
بمناسبة انتخابات التجديد النصفى في نقابتنا المصونة علينا أن نطرح بعض الأسئلة، منها ما يمكننا محاولة الإجابة عليها، وأخرى على أصحاب المسئولية في النقابة، الأسئلة التي يجب أن تجيب عليها النقابة ماذا قدمت لجمهور الصحفيين خلال الفترة الماضية!؟ هل تم تقديم خدمات فنية لرفع المستوى المهنى للصحفى؟ هل استطاعت حل مشكلات الصحفيين مع صحفهم بما يشعر الصحف بأن للصحفى ظهر يعضده في مواجهة التجاوزرات التي تحدث منهم تجاه الصحفيين العاملين بها؟ إننى لا أريد تسمية مشكلات بعينها، ولكن الجميع يعلم أن هناك قضايا منذ سنوات ولم تحل حتى الآن، كما أضيفت قضايا جديدة لا تزال ملفاتها مفتوحة ولا يظهر في الأفق أي بوادر لحلها، لأن الأمر يعبر عن أحد شيئين عدم القدرة على حل هذه المشكلات ويعنى هذا ضعف النقابة أو أن الأمر ليس مهما طالما المشكلة لا تمس أحدا من أعضاء مجلس إدارة النقابة، وهو أمر يؤكد عدم أهلية النقابة لعجزها عن أداء دورها تجاه أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين!
وسؤال آخر ما هو عدد الصحفيين الذين انضموا إلى جداول المشتغلين!؟ النقابة متهمة بإدخال عناصر لا علاقة لها بالصحافة ولكن لها علاقة بتيارات سياسية وحركات تمارس العمل الاجتماعى تحت ستار حقوق الإنسان والحريات، وهنا لابد أن تصدر النقابة بيانا تفصيليا بالذين انضموا للنقابة في السنوات الأخيرة ليست لتبرئة ساحتها فحسب ولكن لإشاعة الاطمئنان بين الجماعة الصحفية.
سؤال: هل هناك أحد يستطيع الادعاء بأن نقابة الصحفيين أصبحت صاحبة توجه سياسي يسارى !؟ الأديب الكبير نعيم صبرى وأحد الحرافيش الذين تتلمذوا على أيدي أديب نوبل نجيب محفوظ، كتب ذات مرة معترضا على صدور الحكم بحبس نقيب الصحفيين، فحاورته حول الحكم الوهمى لأنه بإيقاف التنفيذ، فاتفقت أن حبس صاحب الرأى جريمة تهدد المجتمع، ولكن اعترف الأديب اليسارى بخطأ نقيب الصحفيين اليسارى أيضا، بل أكد على عدم اقتناعه أو رضاه مطلقا على كل مغامرات اليسار الفاشلة! الألفاظ كما كتبها وليست ذات المعنى! هذه شهادة من أحد أبناء اليسار الوطنى واكتفى بها، وللعلم كاتب هذه السطور لليسار أقرب، ولكن انتمائى الفكرى خارج أسوار النقابة.
وفى هذا المجال حاورت المستشار طارق البشرى منذ أكثر من عشر سنوات عن الشباب وعدم وعيه وقلة خبراته السياسية فأجاب: الحل الوحيد الآن لصقل الشباب وزيادة خبراته السياسية والارتقاء بوعيه بقضايا بلده هو ممارسة السياسة من خلال النقابات! ولا أدرى لماذا لم أتذكر يومها كلمات مرشد الإخوان عمر التلمسانى في السبعينات، عندما حدد الطريق إلى مفاصل المجتمع هو النقابات، وهو القائل إن المستقبل سيحمل لكم عضو نقابة الأطباء الإخوانى، وعضو نقابة المهندسين الإخوانى...إلخ وقد صدقت رؤيته ونجح الإخوان في التسلل والسيطرة على معظم النقابات في سنوات قليلة! فهل هناك علاقة بين ما طالب به المستشار طارق البشرى وبين ما خطط له عمر التلمسانى في السبعينات!؟
وبعيدا عن هذا فإننا نريد نقابة قوية تعلو فوق كل الشبهات، تمثل الصحافة كمهنة، تعمل على رفع المستوى العلمى والثقافى والمهنى لأعضائها، تعمل على توثيق التواصل بينها وبين أعضائها، ترسخ الانتماء لتراب الوطن وليس الانتماء لتيار أو جماعة أو شلة أو مصالح وأهواء شخصية، إننا نتحدث بمطالب عامة ولكنها مهمة وتعود بالنفع على جموع الصحفيين!
نقابة قوية حرة.. فوق كل التيارات السياسية!