تحقيق استقصائي يكشف.. رحلة «الزيت الأسود» من مصر القديمة لــ«مصانع الشيبسي».. «الحنة وطلاء الأظافر» ممنوعات داخل المصانع.. والزيوت تستخدم 250 مرة طوال الأسبوع في عملية ال
تنص المادة 79 من الدستور، في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة، على أن لكل مواطن الحق في غذاء صحى وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة، كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام.
عبد المنعم حسين “40 عاما”، يعمل بالمعمار، ذهب إلى المستشفى مرات عديدة لإجراء كشف على القلب، بعد تكرار مرات تألمه، وبعد فحوصات وأشعة اكتشف أنه مصاب بقصور في الشريان التاجى ومشكلات أخرى في صمامات القلب، وعندما روى للطبيب عن عاداته الغذائية أكد له أن السبب الرئيسى وراء هذه المشكلة تناول أطعمة تم طهيها في زيت تكرر استخدامه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن أمراض القلب والأوعية الدموية تحتل المرتبة الأولى من بين أسباب الوفاة في مصر، وتنتشر بين الأطفال والشباب وكبار السن نتيجة العديد من العوامل.
ووفقا لدراسة أجراها الدكتور محمد سعد، أستاذ الكيمياء الحيوية والبيئية بجامعة القاهرة فإن الإنسان يستهلك 1.6 كيلوجرام من الغذاء فيها 93% من المطهيات و35% مقليات، كما كان للمقليات –وفقا للدراسة ذاتها- النصيب الأكبر من المخاطر لأنها تدخل في كل الأطعمة المنزلية أو التي تطهى خارج المنزل «التيك أواى».
مصانع الشيبسي.. أرض «الزيوت السوداء»
«عندنا في المصنع بنجيب زيوت مستعملة بنسميها زيوت سودا، بعدها ندخلها أفرانا نسيحها، ونخلطها بزيوت جديدة، علشان تشتغل مرة تانية، ونحمر فيها بطاطس الشيبسي، المفروض بعد ما الزيت بنخلص بيه عملية القلي، بيتم إعدامه بواسطة مادة البوتاسيوم «الصودا الكاوية» على يد مسئول من وزارة الصحة، لكن ده مبيحصلش».
بتلك الكلمات بدأ «محمد.ص»، أحد العاملين بأحد مصانع الشيبسى بمنطقة العبور في محافظة القليوبية، حديثه لـ«فيتو»، حديث يمكن القول إنه كان بمثابة طرف الخيط لكشف ما تقوم به مصانع الشيبسى من إعادة تدوير للزيت وبيعه للمطاعم والفنادق.
وخاضت محررة “فيتو” مغامرة للعمل في المصنع لمدة يومين، 12 ساعة في اليوم الواحد.
في الرابعة صباحًا تركت محررة «فيتو» المنزل مرتدية ملابس تليق بالعمل الجديد بجانب طرحة سوداء أو كحلي، كما ألزمها المصنع القابع في المنطقة الصناعية بمدينة 6 أكتوبر وذلك حفاظًا على الزى الموحد للعاملين.
من خلال أتوبيس خاص بالشركة وصلت المحررة لمقر المصنع، لتبدأ في الساعة السابعة صباحًا العمل المقسم إلى ورديات تبدأ الأولى من السابعة صباحًا حتى الثالثة عصرا، وأخرى من 7 صباحا إلى 7 مساء، ووردية ثالثة من 7 مساء حتى السابعة صباحا.
ووفقًا لقوانين المصنع، فإن البدء في العمل يتطلب معرفة دقيقة بالقوانين، كى يتم ضمان حمايتك وسلامتك المهنية، لهذا في تمام الساعة التاسعة حصلت محررة « فيتو» على محاضرة في السلامة المهنية، وهى مقسمة إلى قسمين سلامة شخصية للفرد العامل، كان من أهم التعليمات بها قص الأظافر، وعدم وضع عطور على الملابس أو مكياج وحنة وطلاء الأظافر حتى لا تتأثر عملية الإنتاج، فمن المفترض بعد الانتهاء من عملية تركيب الماكينات يأتى موظفو السلامة المهنية للتأكد من الشروط التي وضعوها، الأمر الذي لم يحدث على مدار يومين من العمل.
مع دقات الثانية عشرة ظهرا، بدأ العمل داخل المصنع، والذي ينقسم إلى عدة أقسام منها «التصنيع، تعبئة، مخازن، تغليف»، في اليوم الأول عملت محررة «فيتو» في منطقة التصنيع وهى الخاصة بإنتاج البطاطس الشيبسي، وهى غرفة واسعة أشبه بملعب النادي تتوسطها مجموعة من الآلات منها التي تستخدم لتقشير البطاطس وإحداهما للتقطيع، والأخرى للتوابل، بجانبها ماكينة القلى «الغلاية»، وأصوات الماكينات الصاخبة المتصاعدة حولك قد تصيبك بفقدان السمع.
وفى الركن الأخير من الغرفة خلف مقلاة الشيبسي، يوجد خزانان للزيت مزودان بمضخات سحب ودفع، أحدهما يحتوى على زيت القلى الأسود المستخدم سابقا، ولم يتم احتراقه بالكامل ليعاد استخدامه في اليوم التالي، والخزان الثاني يحوي ما يقرب من 5 أطنان من الزيت الذي يتم شراؤه واستخدامه على مدى عدة شهور.
كان العمل في اليوم الأول للمحررة يقتصر على مراقبة ما يفعله العاملون القدامى، والذي يتلخص في إحضار أكياس التوابل، وغسل الماكينات، ومراقبة سير البطاطس في الماكينات وغسلها، ومراقبة درجة غليان الزيت ومستوى زيادته ونقصانه حتى يتم إضافة زيت آخر، العمل كان مقسما مقابل كل ساعة عمل، وهناك نصف ساعة استراحة، يتم قضاؤها إما في غرفة الملابس أو الكافتيريا.
أما اليوم الثاني فكان الأكثر عملا، فمع دقات السابعة بمجرد دخول البوابة وارتداء زى العمل، انطلقت محررة «فيتو» إلى منطقة التصنيع، برفقة ما يقرب من 25 عاملا وعاملة، كانت المهمة الأولى في تمام السابعة والنصف هي فك الماكينات، لغسلها وإعادة تركيبها لتعود لهيئتها الأولى.
ومع دقات تمام الثامنة بدأ العمل، تم وضع جزء من زيت القلى المستخدم في اليوم السابق، بجانب أحماض دهنية سوداء من زيوت صويا وأولين قديمة سودا محروقة، مأخوذة من خزانات بيضاء تم شراؤها منذ شهر من بائعي الزيوت القديمة، كما ذكرت «سامية حسين» إحدى العاملات بالمصنع، ويتم استخدام هذا الزيت لفترة تتراوح ما بين ستة أيام وأسبوع، أي إن عدد مرات استخدامه بدون تغيير يصل إلى 250 مرة أسبوعيا، حسبما ذكرت “أ.م” إحدى العاملات بالمصنع.
ثم تنطلق رحلة بطاطس الشيبسى التي تبدأ بجلبها من منطقة الثلاجات، ثم الفرز وهنا تتسرب بعض البطاطس الفاسدة التي يتدلى منها الدود، حيث يتم تخزينها لعدة أشهر في الثلاجات وفقًا لأقوال العاملين، ثم تدخل مرحلة التقشير والتقطيع، ومنها إلى القلى ثم مرحلة وضع التوابل، ويتم تعبئتها في الأكياس، ثم تعبئتها بعلب، فالماكينات تسلم كل مرحلة لأخرى.
ومن الساعة الخامسة والسابعة مساء، يتم تغيير ورديات العمل، 12 ساعة من العمل بنفس الزيت، ولا يتم تغييره مع الوردية الجديدة، حيث يتم القلى لمدة 24 ساعة متواصلة، ويتم ضخ نسبة جديدة عليه وهكذا الأمر يستمر لمدة أسبوع.
بائعو الزيت
ومن المصنع إلى بائع الزيت تتبعت محررة «فيتو» طريق رحلة «الزيت الأسود»، في الشارع المقابل لمسجد عمرو بن العاص، بمنطقة مصر القديمة، التقت مع «فارس محمد»، أحد بائعى الزيت الأسود القديم، الذي أكد أن كيلو الزيت القديم يتم بيعه لمصانع الشيبسى والفنادق مقابل من 2 إلى 4 جنيهات للكيلو، نظرا لأنهم يشترون بالكميات، أكثر من 300 كيلو في المرة الواحدة، لهذا يقومون بشرائه لأن تكلفة زيت الصويا أكثر من 10 جنيهات في الكيلو الواحد، كما أن المصانع تستهلك أكثر من 5 أطنان، لافتًا إلى أنه يوفر تلك الكميات من زيت المحال بعد القلى به.
من جهته أشار الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية بكلية الزراعة، إلى أن الخطورة الحقيقية أنه مع تكرار القلى تتكون مركبات كيميائية معقدة من نواتج أكسدة الزيت، وهى ضارة بالصحة، وبعضها مسرطن وتكرار التأكسد يؤدى إلى تكون ما يعرف «بالجذور الحرة» وهو الأكسجين النشط، والتي تحدث تفاعلات داخل جسم الإنسان مع عملية الهضم وحرق الطاقة، فتهاجم المادة الوراثية وتتسبب في تسرطن الخلايا.
وشدد “غانم” على أنه يجب عدم تكرار القلى بنفس الزيت أكثر من مرتين، وإضافة مواد للمادة التي يتم قليها مثل إضافة دقيق الصويا عند عمل العجائن، وإضافة مواد كغطاء لبعض المواد الغذائية تعمل على تقليل امتصاص الزيت، وسلق المادة الغذائية قبل القلى، ومن المهم اختيار نوعية الزيت فيفضل استخدام خليط من الزيوت مثل زيت النخيل وزيت الصويا وزيت عباد الشمس لأنها مناسبة للقلى وتتحمل درجات الحرارة العالية.
في ذات السياق أوضح الدكتور محمد عز العرب، استشارى أمراض الجهاز الهضمي، رئيس وحدة أورام الكبد، بالمعهد القومى للكبد، أن تناول الطعام بالزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة، يؤدى إلى زيادة نسبة الدهون المشبعة الضارة التي يحصل عليها الفرد، والتي لها تأثير مباشر منها زيادة دهون الدم وخاصة الدهون الثلاثية، والكوليسترول منخفض الكثافة، وبذلك يصاب الإنسان بتصلب الشرايين والجلطات القلبية والدماغية.
كما أضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، لهذا الزيت أضرار أيضا على الكبد مباشرة، فالدهون الثلاثية تسبب تشمع الكبد، والذي يؤدى إلى تدهور الكبد، حتى نصل إلى مرحلة التدهور الالتهابى والذي يطلق عليها «mesh» وهى المرحلة التي نبدأ عندها عمليات زراعة الكبد التصاعدي، والتي بدأت تزيد في مصر بشكل خطير، مشيرا إلى أن استخدام هذا الزيت أيضا، يتسبب في الإصابة بالأورام السرطانية، بمختلف أجزاء الجسم على المدى البعيد.
النص القانوني
من الناحية القانونية يؤكد قانون الغش التجارى لسنة 1994 أنه يعاقب كل من يستخدم زيتا غير صالح للاستهلاك الآدمى بالحبس بين سنة وخمس سنوات وبغرامة بين 10 آلاف و30 ألف جنيه، كما يجوز غلق المنشأة مدة تصل إلى خمس سنوات أو إنهاء الرخصة نهائيا.
بائعو الزيت
ومن المصنع إلى بائع الزيت تتبعت محررة «فيتو» طريق رحلة «الزيت الأسود»، في الشارع المقابل لمسجد عمرو بن العاص، بمنطقة مصر القديمة، التقت مع «فارس محمد»، أحد بائعى الزيت الأسود القديم، الذي أكد أن كيلو الزيت القديم يتم بيعه لمصانع الشيبسى والفنادق مقابل من 2 إلى 4 جنيهات للكيلو، نظرا لأنهم يشترون بالكميات، أكثر من 300 كيلو في المرة الواحدة، لهذا يقومون بشرائه لأن تكلفة زيت الصويا أكثر من 10 جنيهات في الكيلو الواحد، كما أن المصانع تستهلك أكثر من 5 أطنان، لافتًا إلى أنه يوفر تلك الكميات من زيت المحال بعد القلى به.
من جهته أشار الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعات العضوية والعلوم البيئية بكلية الزراعة، إلى أن الخطورة الحقيقية أنه مع تكرار القلى تتكون مركبات كيميائية معقدة من نواتج أكسدة الزيت، وهى ضارة بالصحة، وبعضها مسرطن وتكرار التأكسد يؤدى إلى تكون ما يعرف «بالجذور الحرة» وهو الأكسجين النشط، والتي تحدث تفاعلات داخل جسم الإنسان مع عملية الهضم وحرق الطاقة، فتهاجم المادة الوراثية وتتسبب في تسرطن الخلايا.
وشدد “غانم” على أنه يجب عدم تكرار القلى بنفس الزيت أكثر من مرتين، وإضافة مواد للمادة التي يتم قليها مثل إضافة دقيق الصويا عند عمل العجائن، وإضافة مواد كغطاء لبعض المواد الغذائية تعمل على تقليل امتصاص الزيت، وسلق المادة الغذائية قبل القلى، ومن المهم اختيار نوعية الزيت فيفضل استخدام خليط من الزيوت مثل زيت النخيل وزيت الصويا وزيت عباد الشمس لأنها مناسبة للقلى وتتحمل درجات الحرارة العالية.
في ذات السياق أوضح الدكتور محمد عز العرب، استشارى أمراض الجهاز الهضمي، رئيس وحدة أورام الكبد، بالمعهد القومى للكبد، أن تناول الطعام بالزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة، يؤدى إلى زيادة نسبة الدهون المشبعة الضارة التي يحصل عليها الفرد، والتي لها تأثير مباشر منها زيادة دهون الدم وخاصة الدهون الثلاثية، والكوليسترول منخفض الكثافة، وبذلك يصاب الإنسان بتصلب الشرايين والجلطات القلبية والدماغية.
كما أضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، لهذا الزيت أضرار أيضا على الكبد مباشرة، فالدهون الثلاثية تسبب تشمع الكبد، والذي يؤدى إلى تدهور الكبد، حتى نصل إلى مرحلة التدهور الالتهابى والذي يطلق عليها «mesh» وهى المرحلة التي نبدأ عندها عمليات زراعة الكبد التصاعدي، والتي بدأت تزيد في مصر بشكل خطير، مشيرا إلى أن استخدام هذا الزيت أيضا، يتسبب في الإصابة بالأورام السرطانية، بمختلف أجزاء الجسم على المدى البعيد.
النص القانوني
من الناحية القانونية يؤكد قانون الغش التجارى لسنة 1994 أنه يعاقب كل من يستخدم زيتا غير صالح للاستهلاك الآدمى بالحبس بين سنة وخمس سنوات وبغرامة بين 10 آلاف و30 ألف جنيه، كما يجوز غلق المنشأة مدة تصل إلى خمس سنوات أو إنهاء الرخصة نهائيا.
لكنَّ محامين يقولون إنه لم يصدر أي حكم قضائى ضد صاحب مطعم أو مصنع من قبل بسبب عدم صلاحية الزيت المستخدم، لأن الإغلاق لا يتم إلا في حالة الخطر الداهم أي التسبب في انتشار أوبئة أو تسمم رواده.
وبرر الدكتور محمد ربيع محمد، مدير عام الطب الوقائى بمديرية الصحة، الأمر، في تصريحات إعلامية له بأن قلة المضبوط من زيت القلى غير الصالح للاستهلاك الآدمى تعود إلى النقص الشديد في عدد المراقبين الصحيين وفى السيارات التي تساعدهم على التحرك.
وأقر “ربيع” أن التشريعات الحالية كافية ويبقى التطبيق والأداء الرقابى يحتاج للتطوير، فعندما يدخل مراقب الصحة مطعمًا فإنه يبحث عن الشهادة الصحية للعاملين ونظافة أرضية المطعم وأركانه والعاملين فقط، والآن سيتم الاهتمام بصلاحية زيت القلى من عدمه.
وأضاف: “جزئية الزيت ليست على رأس قائمة البرنامج الرقابى لكننا سنولى اهتماما لها خلال الفترة المقبلة”.
"نقلا عن العدد الورقي."